الأسير الفلسطيني علاء الأعرج... المهندس العنيد

10 أكتوبر 2021
علاء الأعرج (العربي الجديد)
+ الخط -

مع كل ساعة تمضي، يزداد الخوف لدى عائلة الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام منذ نحو شهرين على التوالي، المهندس علاء الدين الأعرج، مع تدهور وضعه الصحي منذ استهل إضرابه في 10 أغسطس/ آب الماضي، علماً أنه لا يستطيع الوقوف على رجليه نهائياً منذ أكثر من شهر، وفقد 20 كيلوغراماً من وزنه على الأقل، وبات يتكلم بصعوبة بالغة. ورغم حالته الخطرة، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عائلته من زيارته، وكذلك محاميه الذي لم يجتمع به إلا مرات معدودة منذ أن بدأ معركة "الأمعاء الخاوية" ضد اعتقاله الإدراي.
تصف والدة المهندس علاء ابنها بأنه "صاحب عزيمة وإصرار لا يلينان"، وتقول لـ"العربي الجديد": "أعرف جيداً أنه لن يتراجع أو يفك إضرابه إلا إذا انتصر على سجّانيه. وقد هيأ نفسه لمصير آخر يتمثل في الشهادة، وبعث لنا رسالة قبل نحو ثلاثة أسابيع يؤكد فيها استعداده للانتصار أو الحرية أو الاستشهاد".
ويتحدر علاء من بلدة عنبتا التي تقع بين مدينتي نابلس وطولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو في الثلاثينيات ويملك بنية جسدية عادية، لكنه يتمتع إضافة إلى القدرة على المواجهة والتحدي بذكاء كبير يتفوّق به على أقرانه، إذ حلّ في المرتبة الخامسة على مستوى الوطن في امتحانات الثانوية العامة، بمعدل 99.1 في المائة، وتصدر دفعة تخرجه من كلية الهندسة المدنية بجامعة النجاح في مدينة نابلس شمالي الضفة. وباشر فور إنهائه البكالوريوس في دراسة الماجستير في هندسة المياه والبيئة بالجامعة ذاتها.

وتشير والدته إلى أن ابنها "كان سيغدو جرّاحاً لو لم يعتقله الاحتلال مرات عدة خلال سنته الأولى في كلية الطب، ما اضطره إلى التحوّل إلى اختصاص الهندسة، مع استمرار استهدافه أمنياً الذي جعله ينهي دراسته الجامعية في تسع سنوات بدلاً من خمس".
وقبل نحو سبع سنوات ونصف السنة اقترن علاء بأسماء قزمار، لكنهما لم يعيشا معاً أكثر من سنتين، وأنجبا ابنهما محمد. وقد اعتقل الاحتلال خلال هذه الفترة القصيرة علاء خمس مرات، معظمها تحت بند "الاعتقال الإداري"، ما حرمه من حضور ولادة ابنه، ووداع والده سميح، الأكاديمي المتخصص في اللغة العربية بجامعة القدس الذي توفي عام 2018، حين كان علاء محتجزاً في سجن النقب الصحراوي.
وما إن بدأ الطفل محمد يعتاد على وجود والده علاء، حتى فرّق الاحتلال بينهما. تقول والدة علاء: "في آخر أيام يونيو/ حزيران الماضي، دهم عناصر الاحتلال منزل علاء في حي المعاجين بنابلس، وضربوه أمام طفله، الذي بكى بحرقة وخوف مما يشاهده من عنف تجاه أبيه، ومن دون أن يدرك من هؤلاء، ولماذا يفعلون ذلك".
وبعد أيام قليلة من اعتقاله، صدر أمر اعتقال علاء إدارياً، بلا تهمة أو محاكمة، لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، ما دفعه إلى خوض معركة الإضراب عن الطعام. وقال في الرسالة الوحيدة التي وصلت إلى زوجته وكتبها في اليوم الأربعين لبدئه الإضراب عن الطعام: "أشعر في كل يوم أنني أقترب أكثر من تحقيق النصر. صحيح أن وزني ينزل في شكل متسارع وأكثر من المعتاد في الإضرابات، لكن أشعر أنني بخير. ربما كان لزاماً عليّ أن أكمل التصالح مع الموت، فإذا كتب الله عزّ وجلّ أن أقضي في هذا الإضراب، فعزائي أن أحرار شعبي كُثر، وأنني لم أعش نذلاً ولم أمت مطأطأ الرأس. وإذا كتب لي البقاء فسيكون نصراً مدوياً بإذن الله. أنت سندي وذخيرتي. تأكدي أنني سأكون بينكم قريباً". وتابع: "لم أنفذ هذا الإضراب ترفاً، بل مضطراً كي أضع حداً لمسار غيابي عن الأسرة والحياة. نقترب من الموت لنصنع الحياة، ونطلب العيش أحراراً بلا قيود".

مصرّ على "الانتصار" (العربي الجديد)
مصرّ على الانتصار (العربي الجديد)

وتعلق الزوجة أسماء على الرسالة بالقول: "قرر علاء خوض هذه المعركة بإصرار وعزيمة زادا اليوم، ونحن معه".
وبمرور الوقت باتت أسماء تشعر بالخطر المحدق بزوجها. وكتبت على صفحتها في "فيسبوك": "صرخة مدوية. ألم يحن وقت تحرك الضمائر. ألم تسمع قيادتنا الفلسطينية صوتنا. سيادة الرئيس ألم تسمع صدى كلماتنا. حان وقت إنقاذ أرواحهم (الأسرى) المنهكة. أنتم لا تعلمون ما ليلنا، وما الكوابيس والكواليس التي نعيشها. أرجو من كل الأحرار أن يتدخلوا في قضية علاء، وكل الوزارات والوزراء. أين دور محافظ نابلس التي ينتمي إليها علاء ونعيش فيها منذ بداية زواجنا. أين دور محافظ طولكرم التي يعود أصل علاء إليها، ورفع رأسها في كل وقت؟ علاء ابن طولكرم وابن نابلس وابن فلسطين". تتابع أسماء: "أسرانا في خطر، ولا يجب أن نتركهم للموت. ما يمرون به هو موت بطيء حقاً. أهلهم يواجهون حقيقة صعبة للغاية، ولا يمكننا تجميلها. لا نريد أن نبلغ مرحلة إعلان نبأ استشهاد علاء، ثم نبدأ بذكره والحديث عن بطولاته".
وفي شأن وضعه الصحي، يعاني علاء من دوار وإغماء وفقدان للتركيز والنسيان وآلام في أنحاء جسمه، خصوصاً في الأطراف، ومن عدم القدرة على النوم، ويتقيّأ كل ما يشربه من ماء من أنفه، وذلك وسط ممارسات قاسية من إدارة سجن الرملة الإسرائيلي بعد عزله في زنزانة مضغوطة (مغلقة الباب والنافذة)، وشديدة الاتساخ ومليئة بالصراصير، مع سحب كل احتياجاته الشخصية من غطاء ومنشفة ومصحف وسجادة صلاة. وسبق أن نُقل مرتين إلى مستشفى "أساف هروفيه"، ثم أعيد إلى سجن الرملة.

وتوجه الزوجة رسالة عتاب شديدة اللهجة إلى كل أطياف المجتمع الفلسطيني، وتقول: "التحرك لنصرة الأسرى المضربين ضعيف جداً، ولا يرقى إلى مستوى تضحياتهم، علماً أن الأسير كايد الفسفوس مضرب منذ نحو ثلاثة أشهر. وفي كل يوم يمر تزيد فرصة وفاتهم لا قدّر الله. ومع مضي الأيام يصبح تراجعهم شبه مستحيل إثر خوضهم معركة بهذا الحجم والصمود فيها".

المساهمون