يجتهد الفلسطيني أبو أحمد السوافيري، ومعه عدد من العُمال، في تهيئة الاستراحة الشعبية الخاصة به، وتطل على بحر مدينة غزة، لتوفير الخدمات الترفيهية اللازمة للمصطافين وأطفالهم، وبأسعار مُناسِبة، تُمكنهم من قضاء أيام الصيف ولياليه، دون القلق من التكاليف المُرتفعة.
ويتنافس مع السوافيري المِئات من أصحاب الاستراحات البحرية الشعبية، المُنتشرة على طول الساحل الغربي لقِطاع غزة في مواءمة جلساتها، من حيث الخدمات المقدمة للجمهور، والأسعار المُتناسبة مع أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.
ومع بدء التجهيزات اللازمة لاستقبال فصل الصيف، تنشط مُحاولات أصحاب الأكشاك والاستراحات البحرية في استقطاب الزبائن والمصطافين، على اعتبار أنه الموسم الأنشط لعملهم، وذلك عبر تهيئة الأماكن بشكل مُميز، يوفر احتياجاتهم الأساسية من مأكولات، ومشروبات باردة وساخِنة، ومُسليات، مع مُراعاة الشكل العصري، والجميل.
وتُحاوِل تلك الاستراحات الشعبية، المُوازنة بين توفير الأماكن المُطعمة بالهيئة الجَمالية، عبر أحبال الزينة، والهيئة العامة للطاولات والكراسي، والزينة المحيطة بها من اضاءة، وأقمشة، ومظلات مُلونة المنتشرة داخل المكان، وعلى الرِمال الصفراء بالقُرب من الشاطئ، وبين الأسعار المُتناسبة مع الأوضاع الاقتصادية العامة للناس، خاصة مع تواصل الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006، والذي أثر سلبا على مختلف نواحي الحياة، وفي مقدمتها الناحية الاقتصادية.
ويتبارى أصحاب تلك الأكشاك المُستأجرة من البلديات التابِعة لمُحافظات قِطاع غزة الخمس، لتوفير الأساسيات، والكَماليات، عبر تجهيز الأماكن بالشمسيات نهارا، والاضاءة ليلًا، علاوة على تزيين الأماكن بالأراجيح الخشبية، كذلك ألعاب الأطفال، كما تحرِص على توفير كافة أصناف المشروبات، والمسليات، دون أن تغفل عن توفير الذُرة والتي يُطلق عليها أهالي غزة "الذهب الأصفر"، ويتم تقديمها للزبائن مشوية على الحطب، أو مسلوقة، أو في اوان فخارية، بعد إضافة الزبدة، والجبن، والبهارات.
ويقول السوافيري، إنه بدأ بالعمل في الاستراحات البحرية منذ سنوات، ويحاول في كل عام تقديم ما يوائم احتياجات الناس، وفي مقدمة تلك الاحتياجات، توفير الجلسات الهادئة والجميلة، والآمِنة للأطفال داخل الاستراحة أو في الأسفل بالقرب من الشاطئ، حتى يتمكن الشخص من قضاء لحظات جميلة ومُمتعة، بعيدا عن أزمات الحياة وضغوطاتها.
وعلى الرُغم من تغير الأوضاع نحو الأسوأ، بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتأثيرات السلبية للحِصار الإسرائيلي على قِطاع غزة، إلى جانب معاناة أصحاب تلك الأكشاك والاستراحات مع الرسوم التي يتم دفعها للبلدية، إلا أن البحر يُعتبر الوسيلة الوحيدة لترفيه الناس عن أنفسهم، وفق وصف السوافيري لـ "العربي الجديد"، ما يدفع أصحاب الأكشاك، والاستراحات البحرية إلى الموازنة، بين تقديم الخدمات، والأسعار المُتناسِبة مع الأوضاع العامة.
من ناحيته، يوضح تامر عطا الله، ويعمل في استراحة بحرية، أن الاستعدادات لا تتوقف لاستقبال موسم الصيف، خاصة مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، وتوجه الناس نحو البحر، وذلك بتجهيز المكان بالجلسات المُريحة، والزينة، والأراجيح، وألعاب الأطفال، حيث يجذب توافر الخدمات الأساسية الزبائن، ويتيح لهم جلسات أكثر راحة.
ويبين لـ "العربي الجديد" أنه ليس بمقدور شريحة كبيرة من المواطنين، الذهاب إلى الفنادق والمطاعم غالية الثمن، ما يدفعهم نحو الاستراحات والأكشاك البحرية، والتي تمكنهم من قضاء لحظات جميلة، وبأسعار معقولة، لا تُكلف رب الأسرة، أو تزيد من الأعباء التي تثقل كاهله.
ومن ناحية ثانية، يُشير عطا الله كذلك إلى أن الأكشاك تُعتبر مصدر دخل موسمي للمئات، وآلاف العاملين فيها، إذ يعمل في كل كشك ما لا يقل عن خمسة أفراد، مُوزعين ما بين استقبال طلبات الزبائن، وتجهيزها، وتقديمها، إلى جانب من يقوم بتجهيز المكان، وتنظيفه، والعناية بمرافقه كي تبدو بحُلة جميلة، تجذب أنظار المُصطافين.
أما حسن ملكة، ويعمل في الاستراحة الخاصة بوالده، وتطل على شاطئ بحر غزة، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه ورغم انتشار الاستراحات البحرية بشكل كبير، إلا أن لكل واحدة منها طابعها الخاص، وخدماتها المُختلفة، في ما يكمن الهدف الأساسي من تنافسها فيما بينها، باستقطاب أكبر قدر ممكن من الزبائن.
ويُبين ملكة الاستعدادات الجارية لاستقبال موسم الصيف، حيث تم تجهيز المكان باللوجستيات الأساسية، فيما تم تمييزه بالإضاءة الملونة، وشتول الأشجار، والزهور المتنوعة، لتضفي رونقا جماليا عليه، مع تجهيز مكان خاص للأطفال، لضمان جلسات هادئة وآمنة.
ولم يُخفِ ملكة تأثر ذلك القِطاع رغم بساطته بالأوضاع الاقتصادية العامة، مُفسرا ذلك بالقول "تدفع قلة الإمكانات نسبة من العائلات إلى جلب طعامها، ومشروباتها معها، ما يؤثر على طلباتهم، وبالتالي على الدخل اليومي".
ويتجه أهالي قِطاع غزة، صاحب الكثافة السُكانية الأعلى في العالم، نحو الأكشاك والاستراحات البحرية، معقولة التكاليف، في ظل جُملة من التحديات، المُتمثلة في الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وعدم وصوله (في أفضل الأحوال سوى 8 ساعات في اليوم)، إلى جانب قلة الأماكن الترفيهية المجانية، والتي توفر لهم احتياجاتهم تحت درجات الحرارة المُرتفعة.