صعّدت السلطات المغربية حربها ضد مُخدّر "البوفا"، الذي يطلق عليه "كوكايين الفقراء"، بالتزامن مع تعالي مطالب جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بتشديد المراقبة في جنبات المدارس لتجنب انتشاره ولما يشكله من خطورة جسيمة على من يتعاطاه وعلى المجتمع.
و"البوفا" بقايا مخدر الكوكايين الذي يُطهى على نار هادئة مع مادة الأمونياك، ليتحول إلى شكل صخرة أو كريستال، ويتم استنشاقه. وغالبا ما يستخدم مع مواد أخرى مثل أقراص الهلوسة والحشيش والكحول.
وفي الوقت الذي تتخوف فيه الأسر وجمعيات حقوقية ومدنية وفعاليات سياسية من انتشاره السريع، كان لافتا توالي العمليات الأمنية، خلال الأيام الماضية، ضد مروجي المخدر، كان آخرها أول من أمس الثلاثاء، حيث تمكنت عناصر فرقة مكافحة العصابات بولاية أمن الرباط، بناءً على معلومات دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية)، من اعتقال أربعة مواطنين يتحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك للاشتباه في تورطهم في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، بعد أن أسفرت عملية التفتيش المنجزة بمنزل يستغلونه عن حجز 190 غراما من مخدر "البوفا"، فضلا عن مجوهرات وساعات يدوية ومبلغ مالي يشتبه في كونه من متحصلات ترويج المخدرات.
وبحسب المعطيات التي كشفت عنها المديرية العامة للأمن الوطني، أخيرا، أسفرت الحملات التي جرى تنظيمها لمكافحة مخدر "البوفا"، بين 4 أغسطس/ آب الماضي و2 سبتمبر/ أيلول الحالي، عن اعتقال 112 شخصا يشتبه في تورطهم في ترويجه، إضافة إلى حجز أكثر من كيلوغرام من المخدر.
وشملت الحملات التي شنها الأمن عددا من المدن المغربية، كطنجة والدار البيضاء والرباط وفاس والعيون وخريبكة وسطات والجديدة، حيث هدفت إلى تجفيف منابع هذا المخدر الخطير.
ووفق بيان للمديرية، فإن التدخلات الأمنية المركزة راهنت على استهداف المحور الرئيسي لترويج مخدر "البوفا" بضواحي مدينتي الدار البيضاء وسطات، حيث تمكنت من تفكيك 6 شبكات إجرامية تنشط في تهريب وترويج هذا المخدر بمناطق الدروة والهراويين ومديونة والرحمة وبوسكورة، فضلا عن تفكيك نقاط مخصصة لترويج هذه المادة.
وكان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قد أكد، في وقت سابق، أن التدخلات الأمنية ضد ترويج المخدرات أسفرت عن تسجيل ما مجموعه 200 قضية تتعلق بمخدر "البوفا " أو بقايا الكوكايين القاتلة، تم بموجبها حجز حوالي ثلاثة كيلوغرامات من هذا المخدر وإيقاف 282 شخصا وإحالتهم على العدالة، وذلك خلال الفترة الممتدة من الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي إلى متم شهر يونيو/ حزيران الماضي.
وبالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد في 4 من الشهر الحالي، أبدت الأسر المغربية وجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ تخوفها من انتشار المخدر القاتل بشكل كبير، مطالبة الجهات المسؤولة بوضع حد له وتشديد المراقبة في جنبات المدارس لتجنب انتشاره.
كما أعربت جمعيات مدنية وحقوقية عن قلقها الشديد من انتشار "البوفا" لما يشكله من خطورة جسيمة على القدرات العقلية، النفسية والجسدية لمستعمليه، ولرفعه من منسوب العدوانية وفقدان التوازن وعدم القدرة على التمييز، ليصبح ضحاياه كثراً.
وبالموازاة مع التحذير الذي أطلقته الجمعيات، دشن نشطاء مغاربة حملة رقمية تدعو إلى التصدي لمروجي هذا النوع من المخدرات، من خلال نشر فيديوهات وشهادات لمدمنين على مخدر "البوفا" لتسليط الضوء على الآثار الوخيمة لهذا المخدر على الصحة الجسدية والنفسية للمدمنين عليه.
وتحت وسم "كلنا من أجل محاربة البوفا"، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي شهادات وتعليقات المتفاعلين حول المخاطر التي يخلفها المخدر على صحة وسلامة المتعاطين وانعكاسات ذلك على محيطهم.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه إلى مساءلة رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش من قبل برلمانيين حول التدابير والإجراءات المستعجلة التي تعتزم حكومته القيام بها من النواحي الأمنية والحماية والعلاج، وكذا التحسيس، للتصدي لترويج "البوفا".
ويرجع المتخصص في العلوم الجنائية وحقوق الإنسان، كمال لغمام، الانتشار السريع لمخدر "البوفا" في المغرب إلى سببين رئيسيين، أولهما السعر الزهيد لهذا المخدر (يصل سعر الغرام الواحد إلى 5 دولارات فقط، أي ما يقارب 50 درهماً مغربيا) بالمقارنة مع باقي المخدرات الصلبة من ذات الصنف، والتي تباع بأسعار مرتفعة للغرام الواحد. وثانيهما فضول الشابات والشبان المغاربة في اكتشاف هذا المخدر الجديد، خصوصا الأشخاص الذين يعانون من الإدمان مسبقا.
ويعتقد لغمام، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذين العاملين ساهما بشكل كبير في الانتشار الواسع لهذا المخدر، كما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل غير مباشر في ذلك الانتشار بسبب الفيديوهات التي تتطرق لهذا المخدر، خصوصا نداءات الاستغاثة التي وجهها المستعلمون الذين جربوه.
ويدعو المتحدث ذاته إلى "التدخل السريع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، معتبرا أن "الانتشار بهذه الوتيرة السريعة يهدد مستقبل المغرب، كما يساهم في حدوث اضطراب اجتماعي وانتشار الجريمة، لأن المدمنين يفقدون الوعي بشكل شبه نهائي، ويصبحون قادرين على ارتكاب مختلف الجرائم، خصوصا المرتبطة بالسرقة بالنشل والعنف، والاعتداءات الجسدية، وكذا الانتحار". ويضيف: "المطلوب الآن هو تدخل مستعجل من لدن مختلف الجهات الأمنية لمحاصرة انتشار هذا المخدر، والعمل على توقيف كل المتاجرين، بالإضافة إلى القيام بحملات تحسيسية بخطورة استعماله وآثاره السيئة على صحة الإنسان وسلوكه الفردي وأضراره على المجتمع".