تتفاقم قضية استغلال النظام السوري المواطنين الذين يريدون الحصول على أوراق رسمية، حيث يبتكر مع الموظفين التابعين له أساليب مختلفة لاستغلال حاجة المواطنين لهذه الأوراق، والتضييق عليهم، عبر إجبارهم على دفع مبالغ ضخمة لاستصدارها.
يوضح المحامي عاصم الزعبي، عضو "تجمع أحرار حوران" في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "قضية استغلال النظام المواطنين الذين يحتاجون إلى أوراق رسمية أمر غير جديد، فهو عمل قبل سنوات الحرب على إفساد الدوائر الحكومية عموماً، من خلال جريمة الرشوة مقابل الحصول على أي ورقة رسمية". يضيف: "يستغل النظام أيضاً حاجة شخص إلى ورقة رسمية معينة يطلبها جهاز أمني، أو وثيقة مرتبطة بأداء الخدمة العسكرية، إذ يلعب المال دوراً مهماً في حلّ المشكلة عبر دفع مبلغ معين للموظف المختص. وهذه الأمور لا تنحصر داخل سورية، بل تشمل البعثات القنصلية السورية في الخارج لدى محاولة شخص تجديد جواز السفر، أو الحصول على أوراق خاصة بوكالات، أو تسجيل مواليد أو تصديق أوراق مختلفة. وتحصل معظم حالات عرقلة الأوراق لتحقيق مكاسب مالية".
ويشير إلى أن "المواطن السوري يتمتع بموجب الدستور بحق الحصول على جميع الأوراق الرسمية الخاصة به، سواء جواز سفر أو هوية أو أي أوراق تساعده في أي مجال، وذلك ليس صدقة من النظام الذي لا يستطيع منع أي شخص من الحصول عليها حتى لو كان معارضاً سياسياً أو مطلوباً، إلّا في حالة إسقاط الجنسية عنه، والتي تخضع لأحكام محددة في الدستور وقانون الجنسية السوري".
ربيع جيرودي (43 عاماً) الذي يقيم في تركيا منذ عام 2015 يعيش هاجساً متكرراً في كلّ فترة تشرف فيها صلاحية جواز سفره على الانتهاء، وهو يخبر "العربي الجديد": "أستخرج كل حوالي عامين جواز سفر، وصلاحية جواز سفري الحالي تنتهي بعد 4 أشهر، ويجب أن أجدده مهما كانت الظروف ومهما كان ثمنه لتمديد إقامتي في تركيا. وتحدثت في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع سمسار لاستخراج جواز سفر جديد من القنصلية التابعة للنظام السوري في مدينة إسطنبول، ورد في البداية بأن الأمور لا تسير في شكل سلس في القنصلية حالياً، وطالبني بأن أنتظر بعض الوقت".
يتابع: "توجهت إلى سمسار آخر لأنني مضطر لفعل ذلك، وأخبرني بأن الحصول على جواز سفر فوراً تبلغ تكلفته في القنصلية 1500 دولار، بينها مبلغ 800 دولار لحجز موعد، والباقي ثمن دفتر الجواز وأجور السمسار. أما جواز السفر العادي الذي أصبح يعرف بمصطلح البطيء فتبلغ تكلفته بين حجز الموعد وثمن الدفتر 1200 دولار، علماً أنّ ثمن حجز الموعد هو 800 دولار أيضاً. هذا استغلال واضح، وانتقام مبطن من الناس بعدما تحوّل الجواز السوري إلى الأغلى في العالم. وأبلغني السمسار أنه في حال كان لدي أقارب في سورية يمكن أن تكون تكلفة الجواز أقل وصولاً إلى نحو 800 دولار للفوري (المستعجل)، وفي كلّ الأحوال ما ذنبنا أن ندفع مبالغ نعمل ونتعب بشدة لكسبها لإطعام أطفالنا، لماذا لا يُوضع حد لهذا الاستغلال وكابوس جواز السفر الذي سيبقى يلاحقنا؟".
ولا تقتصر المعاناة على استخراج جواز السفر، فالاستغلال يشمل مختلف النواحي، ومنها ورقة "غير محكوم" التي عرقلت حصول علي (34 عاماً) على الجنسية البرتغالية نصف عام، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "حاولت في البداية استخراج ورقة غير محكوم عن طريق أقارب لي، لكن الأمر لم يكن بالبساطة التي توقعتها، إذ طلب الموظفون حضوري شخصياً، ثم بدأت معاناتي. وبعد محاولات متكررة استمرت حوالي شهرين أغلقت كلّ الأبواب في وجهي، فلجأت إلى سمسار يتعامل مع أجهزة الأمن في حمص، بعدما زودني قريبي برقمه فطلب مني مبلغ 300 دولار في البداية، وهو ما وافقت عليه لأنه ليس في اليد حيلة. وبعد أيام بدأ يطلب مني دفع المبلغ قبل استخراج الورقة. وبعد أخذ وردّ معه رفضت طلبه، وتحوّل الأمر لتهديدي بعدم الحصول على الورقة نهائياً فانتابني الخوف، وبقيت على هذه الحالة مدة، وكلمت سمساراً آخر لم يحدد ما يطلب، وتبين أنه يكذب علي ويحاول استغلالي. وفي النهاية عرض علي أحد الأصدقاء طريقاً للحصول على الورقة مقابل دفع 600 دولار، وذلك بعد عملية بحث طويلة أوصلتني إلى رجل أمن أجبرني على دفع هذا المبلغ".
يتابع: "نتعامل مع مافيا استغلال، وليس دولة لها قوانين أو دستور وحقوق للمواطن، دولة همها نهب المواطنين وإذلالهم".
إلى ذلك، يسعى جواد العبدو (36 عاماً) بعد أشهر من وصوله إلى ألمانيا إلى بدء إجراءات لمّ الشمل. ويقول لـ"العربي الجديد": "البيان العائلي وبعض الأوراق الإضافية تبلغ تكلفتها 850 دولاراً، وتحتاج إلى وقت لاستخراجها، في حين يخشى أن تكون مزيفة، لذا سأعيش حالة قلق حتى استخراج الأوراق، وأتأكد من أنّها موثوقة. ما يحدث مهزلة حقيقية وتضييق وخنق للمواطن. فعلياً يلاحقنا النظام حتى آخر بقاع الأرض".