كي لا نبقى في إطار العموميات، يمكن تقسيم المنطقة العربية تبعاً لأوضاعها العامة وتعليمياً بما فيه عملية التقييم، عبر نظام الامتحانات كما هو معروف، لجهة التفاعل مع جائحة كورونا، من خلال توزيعها على مجموعات. يمكن وصف هذا التقسيم بأنه غير تربوي صرف، كما يظن البعض، ولكن مضاعفاته تعليمية بالتأكيد، وتدخل في إطار بحثنا الرابط بين المجموعات جميعاً هو أنّ التداخلات قد تركت بصماتها عليها، بما هي عملية تفشي الوباء من جهة وجملة الأوضاع التي تعيشها من جهة ثانية، ما ترك نتائجه على الوضع التعليمي، بما هو مناخ ومسار وعملية تقويم على حد سواء.
المقدار في التأثر والتفاعل هو الذي يختلف بين دولة ومؤسسة عربية وأخرى. ينطلق المقياس مما تملكه أو لا تملكه كلاهما، بما هما المؤسسات والدول، من قدرات تربوية وتعليمية وتكنولوجية، أمكن أو تعذّر توظيفها في التفاعل مع المستجدات، ربطاً بالأوضاع التي تمر بها هذه البلدان وظروفها القاهرة وغير القاهرة في الوقت نفسه.
المؤكد أنّ المجموعة الأولى وهي الأقل تأثراً بالجائحة، وحالات الاضطراب تنسحب على مجمل دول الخليج العربي (السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعُمان). وهذه بالمجمل اعتمدت إجراءات ضبط فاعلة لكبح الوباء. وكما هو معلوم، فهي تملك مقداراً متقدماً من وسائل وأساليب التكنولوجيا الرقمية، بالنظر للإمكانات المادية والاقتصادية التي تتمتع بها. لا يعني ذلك أنّ هناك نوعاً من السلاسة الكاملة قد حدث في عملية التعاطي، إذ تبين من أبحاث عدة أنّ هناك جملة أعطاب جوهرية تتطلب المعالجة. ولأنّه في حال بقائها على ما هي عليه، فمخاطر فقدان ميزاتها التفاضلية أكبر من أن تُحدّ أو تواجه.
المجموعة الثانية هي الدول المستقرة نسبياً، من دون أن يعني ذلك الاستقرار امتلاك قدرات مادية وبشرية مؤهلة وفائضة على التعاطي مع الجائحة، واستيعاب وتجاوز ما فرضته من أحكام ومضاعفات، أطاحت إلى حد كبير بالمنجزات الجزئية التي راكمتها في غضون السنوات المنصرمة، من تقدم على صعيدي الجهاز البشري لجهة الخبرات والمؤهلات المكتسبة والبرامج التعليمية، وامتلاك الأدوات التقنية من أجهزة اتصال وكمبيوتر وألواح ذكية وغيرها. تنطبق مثل هذه الأوضاع على كلّ من المغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن.
ثم هناك مجموعة عربية ثالثة تعاني من معضلات متفاقمة على أكثر من صعيد عام، وإن لم تصل إلى الحروب والاقتتال، إلّا أنّها عطلتها وتعطل الدولة والمؤسسات التربوية عن التعاطي بفاعلية تجاوزية مع المشكلات التي فرضت نفسها على بلادها. يدخل في هذا التصنيف الكثير من العناصر، مثل الوضع الأمني والاقتصادي العام، والدخل الفردي، والقدرة على سدّ الفجوات، والنقص في البرامج والتجهيزات، وتأمين الخدمات العامة الضرورية للتخفيف من التردي وغيرها. يندرج في هذه المجموعة كلّ من لبنان والعراق والسودان والصومال وموريتانيا وجيبوتي.
تبقى المجموعة الرابعة وتضم هذه دولاً تشهد حروباً مستعرة على نطاق عام أو مناطقي في أجزاء رئيسية منها، أو أشكالاً من السلم الأهلي البارد كالهدن ووقف النار والاشتباكات والقتال المتقطع، لكنّها تنعكس على مجموع كيانها وتضع مصير الدولة وقدراتها على المحك. وتتميز هذه المجموعة بتخلخل واضح في تكوين وتركيب السلطة السياسية القائمة، وضعف سلطة وقرارات الدولة المركزية وفرضها هيبة القانون، أو أنّها تخضع للاحتلال على نحو معروف كما هي حال الضفة الغربية أو الحصار كما هو وضع غزة. ويدخل في هذا النسق كلّ من اليمن وليبيا وسورية وفلسطين.
(باحث وأكاديمي)