تصادف اليوم الأربعاء، في الرابع والعشرين من أغسطس/ آب 2022، الذكرى الواحدة والثلاثين لإعلان استقلال أوكرانيا والتي تتزامن مع مرور ستة أشهر على بدء الغزو الروسي للبلاد. عند مدخل "داونينغ ستريت"، المقرّ الرسمي لرئيس الحكومة البريطانية في لندن، وُضعت أزهار عباد الشمس (تُعَدّ الزهرة الوطنية في أوكرانيا) احتفالاً بالاستقلال وتذكيراً بالدعم المطلق الذي قدّمته المملكة المتحدة والذي سوف تستمرّ في تقديمه لأوكرانيا ورئيسها وشعبها. كما يرفرف العلم الأوكراني بلونَيه الأصفر والأزرق على عدد كبير من المعالم الأثرية والسياحية والتعليمية منذ يوم أمس الثلاثاء، في إشارة إلى تضامن البريطانيين حكومة وشعباً مع كييف.
لكنّ الواقع لا يبشّر بفائض خير لا للبريطانيين ولا للمقيمين على أرضهم من لاجئين أوكرانيين. وتأتي الاحتفالات بذكرى الاستقلال في الوقت الذي بلغ فيه عدد المهجّرين الأوكرانيين تسعة ملايين والنازحين منهم ثمانية ملايين. كذلك تتزامن مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تمرّ بها المملكة المتحدة التي تنحدر نحو الركود، وفقاً لبنك إنكلترا، وقد بلغ التضخّم فيها نسباً قياسية، في حين حذّر خبراء من أنّ منطقة اليورو صارت في ركود، بما في ذلك الشركات الألمانية التي سجّلت أمس أسوأ حالة ركود لها منذ عامَين. ويتزامن ذلك مع خشية أوروبية من فقدان الإرادة والإمكانيات لدعم أوكرانيا وسط أزمة غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الطاقة، الأمر الذي يدفع في اتجاه مزيد من الاحتقان لدى الرأي العام المطالب، وفقاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بـ"دفع ثمن حرية" الشعب الأوكراني.
وتصادف اليوم أيضاً ذكرى مرور خمسة أشهر على إطلاق الحكومة البريطانية مخطط التأشيرات الذي استقبلت المملكة المتحدة بموجبه أكثر من 115 ألف لاجئ أوكراني إلى جانب خطة "بيوت من أجل أوكرانيا" الذي استضافت الأسر البريطانية بموجبه ما يقارب 81.700 لاجئ. وتمنح الحكومة وفقاً لهذه الخطة التي تمتدّ على ستة أشهر قابلة للتجديد مبلغاً ترحيبياً قيمته 200 جنيه إسترليني (نحو 235 دولاراً أميركياً) لكلّ لاجئ يصل إلى أراضيها، بالإضافة إلى مبلغ 350 جنيهاً إسترلينياً (نحو 410 دولارات) تمنحه شهرياً للمضيفين بهدف مساعدتهم في إعالة الأسر الأوكرانية.
لكنّ مسحاً أعدّه مكتب الإحصاءات الوطنية بتكليف من وزير اللاجئين ريتشارد هارينغتون يشير إلى واقع مأساوي، إذ أعلنت أغلبية الأسر المضيفة أنّ ارتفاع تكاليف المعيشة يعوّق قدرتها على تجديد استضافتها للاجئين بعد مرور الأشهر الستة الأولى. وهو ما يعني أنّ أكثر من 1300 أسرة أوكرانية قد تجد نفسها بلا مأوى ابتداءً من سبتمبر/ أيلول المقبل. وقد حذّرت المجالس المحلية التي تتلقّى بدورها دعماً حكومياً بقيمة 10 آلاف جنيه إسترليني (نحو 11 ألفاً و770 دولاراً) بموجب الخطة، من أنّ آلاف الأوكرانيين سوف يتعرّضون لخطر التشرّد بعد شهر إذا لم ترغب أسر بريطانية أخرى في استضافتهم أو إذا لم يعثروا على عمل مناسب وسط الأزمة المعيشية أو إذا لم يتمكّنوا من الانتقال إلى عقارات مستأجرة مع ارتفاع بدلات الإيجار.
ويراوح عدد اللاجئين الأوكرانيين الوافدين أسبوعياً إلى المملكة المتحدة ما بين أربعة وخمسة آلاف لاجئ وفقاً لهارينغتون، الأمر الذي يجعل مهمّة توطينهم شاقة مع انقضاء فترة الأشهر الستة ومع اقتراب فصل الشتاء الذي يُتوقَّع له أن يكون الأقسى منذ عقود، إذ تُنذر الوقائع بارتفاع فواتير الطاقة بنسبة 80 في المائة ووصول التضخم إلى 19 في المائة. وهو ما دفع الحكومة إلى دعوة مزيد من الأسر البريطانية إلى استقبال الأوكرانيين من دون أن تعلن عن أيّ دعم مالي إضافي للمضيفين المشاركين في الخطة. يُذكر أنّه بالنسبة إلى الأسر المضيفة بمعظمها، لم يكن غلاء المعيشة العامل الوحيد في تضاعف أعبائها ولا أسعار الطاقة وحدها، بل أيضاً ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري، إذ إنّ 28 في المائة من العائلات تدفع رهناً عقارياً للبنوك عن البيوت التي تمتلكها وتسكن فيها. وقد طالب هارينغتون وزارة المالية بمضاعفة المبلغ الذي تتلقّاه الأسر المضيفة ليبلغ 700 جنيه إسترليني (نحو 825 دولاراً) بدلاً من 350 في محاولة لتشجيع المضيفين على تجديد التزامهم بالخطة ولدفع مضيفين جدد على الانخراط فيها.
وعلى الرغم من المساعدات العسكرية غير المسبوقة التي قدّمتها المملكة المتحدة لأوكرانيا إلى جانب العقوبات القاسية على نظام فلاديمير بوتين، فإنّ قضية أزمة المعيشة التي تسبّبت فيها حرب أوكرانيا تبدو غائبة حتى اللحظة عن خطط المرشّحين لمنصب رئيس الحكومة البريطانية. وما زالت المعارك الجانبية والعلنية، المباشرة وغير المباشرة، تدور بين وزيرة الخارجية ليز تراس ووزير المالية المستقيل ريشي سوناك حول الطرق الأنجح للتخفيف من أعباء ملايين البريطانيين، فيما تبدو الحكومة معطّلة ومشلولة في انتظار نتائج السباق إلى "داونينغ ستريت" في الخامس من سبتمبر المقبل. الوعد الوحيد الذي أطلقته تراس بشأن الأزمة الأوكرانية هو تعزيز الدور الكبير الذي تؤدّيه الاستخبارات البريطانية في مواجهة الغزو الروسي. واللاجئ الأوكراني الذي وصل قبل ستة أشهر إلى بلد مضياف وكريم، يجد نفسه اليوم غارقاً مثله مثل ملايين آخرين في التوتّر الذي تسبّبت به أزمة المعيشة وفي غلاء الأسعار المريع وفي الخوف من شتاء يقول الخبراء إنّه سوف يشهد برداً وجوعاً وأمراضاً وفقراً.