تساهم الحملات الانتخابية بالعراق في تحسين الأوضاع المعيشية لعراقيين كثيرين عاطلين عن العمل، ازداد عددهم نتيجة تداعيات أزمة كورونا. فهي وفّرت آلاف فرص العمل في مختلف مناطق البلاد، مع تنافس أكثر من 3500 مرشّح ينتمون إلى نحو 200 حزب وتحالف سياسي على مقاعد البرلمان، في الدورة الخامسة للانتخابات منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 المتوقّعة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
والمرشّحون بدأوا نشاطهم الانتخابي في العاشر من يوليو/ تموز الماضي، تاريخ السماح بإطلاق الدعايات الانتخابية عبر وسائل مختلفة، من بينها حملات ترويجية من خلال إقامة حفلات خاصة وبطولات رياضية شعبية، بالإضافة إلى توزيع هدايا مختلفة ورفع لافتات وملصقات وتوزيع منشورات. وكلّ تلك الوسائل الدعائية كانت وراء توفير فرص عمل وتنشيط السوق، وفقاً لما يؤكده عراقيون يقولون إنّهم يتمنّون لو أنّ الانتخابات البرلمانية تُنظّم سنوياً بدلاً من مرّة كلّ أربعة أعوام، نظراً إلى ما توفّره من مورد رزق لآلاف العائلات.
محمد خلف، الذي فقد عمله قبل أكثر من عام بعدما اشتُمل في عملية تقليص عدد العاملين في أحد التلفزيونات المحلية، وجد الانضمام إلى الفريق الإعلامي لأحد المرشّحين فرصة للحصول على عمل مؤقّت، كذلك، فإنّه يطمح إلى نيل وظيفة جيدة ومستقرة مستقبلاً في حال فوز المرشّح الذي يعمل لمصلحته. وخلف، الذي يعمل مصوّراً تلفزيونياً، شارك في توثيق المعارك التي دارت بين القوات العراقية وتنظيم داعش، علماً أنّ خبرته في مجال التصوير تمتدّ لأكثر من 15 عاماً، لكنّه يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "فرص العمل في مجال تخصصي باتت قليلة". يضيف خلف أنّ "هذه المرة هي الأولى التي أعمل فيها لمصلحة مرشّح في الانتخابات. بالنسبة إليّ، لا أعرف هذا الشخص، لكنّه ميسور الحال ويبدو أنّ حظوظه جيدة، إذ إنّ علاقاته تمتدّ نتيجة طبيعة عمله في التجارة إلى شخصيات مهمة في داخل الدولة"، مؤكّداً أنّه "يوفّر لي وللكادر الإعلامي رواتب جيدة. وقد وعدنا أن نكون من ضمن فريقه الإعلامي أو يوفّر لنا فرصة عمل في إحدى مؤسسات الدولة في حال فوزه، وهذا ما نطمح إليه".
ويختار المرشّحون عادة إعلاميين متمرّسين للاستفادة من خبراتهم في مجال الإعلام والنشر والترويج عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي فرصة ينتظرها كثيرون، من بينهم علي الدايني. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "للمرة الثالثة يعمل في برامج دعم المرشّحين"، مشيراً إلى أنّ "اثنَين ممّن عمل لمصلحتهما وصلا إلى البرلمان السابق والحالي، وثمّة شخصاً واحداً لم يحالفه الحظ". ويوضح الدايني لـ"العربي الجديد" أنّ "الإعلاميين بشكل عام ينتظرون مثل هذه الفرص، حتى الذين لهم أسماء معروفة ويقدّمون برامج تلفزيونية أو من الكتاب الصحافيين. وهؤلاء يتوقّعون أن يقدّم لهم مرشّح أو جهة سياسية فرصة عمل بصفة مستشار، فيما يعمل بعض آخر في الترويج لمرشّح أو جهة من خلال حساباتهم أو برامجهم التلفزيونية أو مقالاتهم، وكلّ ذلك لقاء بدل مادي".
وبعيداً عن الذين يبحثون عن فرصة لزيادة مداخيلهم، ثمّة "جيش" من العاطلين عن العمل "ينتظرون بشغف" فترة الانتخابات من أجل الحصول على عمل يؤمّنون من خلاله عائداً مالياً، بحسب ما يقول منير النعيمي الذي يملك ورشة حدادة. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "في كلّ حملة دعائية لانتخابات، سواء أكانت برلمانية أو لمجالس المحافظات، أستعين بعدد إضافي من العمّال لأتمكّن من إنجاز عملي الذي يتضاعف بواقع عشرين مرّة". ويوضح النعيمي، الذي تقع ورشته في محافظة ديالى شرقي العراق، أنّه "لديّ ثلاثة عمّال أعتمد عليهم في أداء أصعب الأعمال، في حين أعرف عشرات العمّال المهرة في مجال الحدادة الذين يحتاجون إلى فرصة عمل، فأستعين ببعضهم خلال الحملات الانتخابية". ويتابع: "حالياً استعنت بتسعة عمّال إضافيين"، شارحاً أنّ "عملنا يقوم على تصنيع إطارات حديدية دعائية بأحجام مختلفة تتراوح ما بين متر واحد وعشرة أمتار".
من جهة أخرى، وبفضل سرعة صناعة الإعلان الحديث من خلال اعتماد الطباعة الملوّنة، تراجع عمل الخطاطين كثيراً، وفق ما يقول الخطاط جاسم لـ"العربي الجديد". لكنّه يؤكد: "ما زلت أبقي على محلي على الرغم من تراجع العمل مقارنة بما كان سابقاً، وأنظّم فيه دورات لتعليم الخطّ، إلى جانب ما أتلقاه من طلبيات تخطيط، علماً أنّها قليلة". لكنّ الانتخابات، بحسب جاسم الذي يعمل في هذه المهنة منذ 26 عاماً، "تحرّك رزق الخطاطين. فثمّة مرشّحون يفضلون لافتات مخطوطة بحرف عربي أنيق، وكذلك بطاقات دعوة لمهرجانات دعائية بخطّ مميّز، وغيرها من الأساليب الدعائية. وكلّها تصبّ في مصلحة الخطاطين لما توفّره من مردود جيّد".
أمّا سجاد حمد، الذي فقد عمله في شركة للنقليات قبل أكثر من عام ونصف عام بسبب تداعيات أزمة كورونا، يؤكد لـ"العربي الجديد أنّ "هوية المرشّح ليست مهمة، ولا إلى أيّ كتلة سياسية ينتمي أو أيّ جهة يمثّل، حتى وإن كان يمثّل جهة تخالف توجهاتي". يضيف أنّ "ما يهمّني هو توفير عمل وإن كان مؤقتاً". ويعمل حمد البالغ من العمر 29 عاماً ضمن فريق أحد الأحزاب، لافتاً إلى أنّ "همّه مساعدة أسرته الفقيرة في المعيشة حالياً". بالتالي، هو لا يفكّر في الزواج وسط الظروف الراهنة. ويتلخّص عمل حمد ورفاقه في توزيع منشورات دعائية لمرشّحي الحزب الذي يعملون لمصلحته في مناسبات وتجمعات عامة، كذلك ينشرون الإعلانات في مواقع محددة. يضيف أنّه "في اليوم الواحد، نعمل أحياناً ساعتَين وأحياناً خمس ساعات. عملنا سهل وليس متعباً، ويوفّر لنا الطعام والشراب مع أجرة تُقدَّر بحسب المجهود الذي نبذله. لكنّها في كلّ الأحوال أجرة جيّدة".