"لم يعد ممكناً بأي شكل من الأشكال، التغاضي عن مصير رجال ونساء وأطفال يتهددهم خطر خسارة حياتهم في أية لحظة، بعدما لم يحالفهم الحظ في الاستفادة من عملية زراعة عضو هي فرصتهم الوحيدة للنجاة من موت محقّق". هذا ما تقوله رئيسة جمعية محاربة أمراض الكلى بالمغرب أمال بورقية لـ "العربي الجديد"، مشيرة إلى أن مرضى القصور الكلوي في البلاد يعانون أو يموتون بسبب قلة أعداد المتبرعين، على الرغم من عدم وجود أية موانع قانونية وطبية وحتى دينية.
وتقول بورقية إنّ "الواقع المغربي مؤسف في ما يتعلق بالتبرع بالأعضاء، إذ إن عدم انتشار ثقافة التبرع في المجتمع يؤدي إلى عشرات الوفيات في صفوف المرضى الذين يقضون أيامهم على أمل إجراء عملية لزرع كلية يوفرها متبرع، من دون أن يحظوا بتلك الفرصة الثمينة للحياة".
وتلفت إلى أن إجراء نحو 600 عملية زراعة كلى في المغرب على امتداد الـ34 سنة الماضية يبقى "أمراً مخجلا وغير مشرف، ولا بد من العمل من أجل تداركه"، نظراً إلى التقدم التكنولوجي والطبي الحاصل في المراكز الاستشفائية المغربية، في وقت يرتفع فيه عدد المغاربة المصابين بالقصور الكلوي إلى 34 ألف مصاب خلال السنة الحالية.
ويعاني المرضى المغاربة، الذين يحتاجون إلى زراعة أعضاء، على الصعيدين الجسدي والنفسي، ما دامت ثقافة التبرّع غائبة في المجتمع المغربي، على الرغم من التشجيع القانوني ومواعظ رجال الدين، بالإضافة إلى التقدّم الذي حقّقه المغرب في مجال تنظيم التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، بالمقارنة مع العديد من الدول العربيّة.
عام 1985، كان المغرب من بين الدول العربية السباقة في إجراء عملية زرع عضو بشري في مستشفى ابن رشد بمدينة الدار البيضاء. لكن الأرقام التي سجلت حتى الآن في المستشفيات المغربية الثمانية الرئيسية ظلت متواضعة، على الرغم من أن عمليات زرع الأعضاء تعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة لآلاف المرضى.
ولا يتجاوز عدد الأشخاص المسجلين في سجلات التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية بالمحاكم الابتدائية في المملكة 1200 شخص منذ عام 1990، بحسب الإحصائيات التي كشفت عنها الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلى، بالتزامن مع اليوم العالمي للتبرّع وزرع الأعضاء، الذي يُحتفل به في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ سنة. وترى في هذا الرقم "فشلا" في تغيير الثقافة المجتمعية.
وتعزو غياب ثقافة التبرع لدى المغاربة والعجز المستفحل إلى أسباب عدة، تتوزع ما بين المسؤولية الفردية والجماعية، أبرزها قلة الوعي المجتمعي ونقص المعلومات حول الممارسات والتقنيات المستخدمة في عملية الزرع، ناهيك عن المعتقدات الخاطئة والخوف من هذه العملية أساساً.
وتوضح: "أظهرت استطلاعات الرأي العديدة التي أجريناها في الجمعية أن هناك نقصا في المعرفة من قبل المرضى والمجتمع بصفة عامة في ما يتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية، وهو نقص يشمل جميع الجوانب الطبية والقانونية ووجهة نظر الدين الإسلامي". وتلفت إلى أن زراعة الأعضاء تبقى، بحسب الدراسات، مربحة بالنسبة للمرضى الذين يقومون بتصفية الدم من الناحية المادية والطبية والإنسانية والنفسية، كما تمنحهم حياة طبيعية.
في ظلّ هذا الوضع، تحذّر بسبب الحاجة الملحة لمعالجة العجز المقلق في مجال التبرع بالأعضاء البشرية، وخصوصاً زراعة الكلى، مشددة على أنه بات من الضروري، وبشكل عاجل، استدراك التأخر المسجل في المغرب، وتكريس ثقافة التبرع في المجتمع المغربي، باعتبارها ضرورة قصوى بهدف تطوير زراعة الأعضاء والأنسجة البشرية.
وتقول: "لا بد من أن يعمل مسؤولو التغطية الصحية والأطباء والمجتمع المدني على مصالحة المغاربة مع التبرع بالأعضاء باعتباره عملاً من أعمال الكرم والمواطنة يسمح بإنقاذ الأرواح، ويشجع عليه الدين الإسلامي وينظمه القانون المغربي بطريقة دقيقة للغاية".
وفي ظل ضعف لافت في عدد المتبرعين، دعت الجمعية، إلى تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب، من خلال تغيير القوانين القائمة لتشجيع الناس على التبرع، والقيام بحملات توعوية موازية لتكريس هذا الفعل الإنساني بالمجتمع.
ويسمح القانون المغربي الحالي (صادر في 1999) بالتبرع بأعضاء بشرية وفق ضوابط صارمة تتمثل بأن يكون الغرض من التبرع بالأعضاء أو أخذها أو زرعها لتحقيق هدف علاجي أو علمي، وعدم إلحاق أي ضرر بالمتبرع. ويحصر القانون التبرع بكل جزء من جسم الإنسان، والأنسجة البشرية باستثناء تلك المرتبطة بالتوالد.
وبغضّ النظر عن غرض التبرع، يشترط القانون أن يكون المتبرع على علاقة قرابة بالمريض. كما يسمح بأن يتبرع أزواج بأعضاء لبعضهم بعضاً، شرط مرور عام على الأقل على عقد القران. ويطالب القانون أيضاً بالحصول على موافقة مكتوبة من المتبرع لإجراء عملية الزرع، ويصدّق عليها القضاء. وهو يفسح المجال أمام المتبرع لتغيير قراره في أي وقت، ويشدد على ضرورة أن تحصل عمليات نقل الأعضاء وزرعها في مستشفيات تخضع لإشراف أطباء ذوي كفاءات عالية، ويحظر أيضاً الاتجار بالأعضاء البشرية.
وبالنسبة للتسجيل ضمن لائحة المتبرعين، فيتم عن طريق التقدم بطلب إلى رئيس المحكمة في الدائرة التي يقطن بها المتبرع، وهو الطلب الذي يصبح سارياً بعد المصادقة عليه. وتشترط الموافقة المكتوبة للمتبرع على العملية، مصادقاً عليها من قبل القضاء، مع إبقاء المجال مفتوحا أمامه لتغيير قراره في أي وقت، وأن تتم عمليات نقل الأعضاء وزرعها في المستشفيات تحت إشراف طبي.