بعيداً عن الضوضاء والازدحام الذي تشهده أكبر الشواطئ على الشريط الساحلي في الجزائر، وهرباً من الارتفاع الكبير في بدلات إيجار الشقق المجاورة لشاطئ البحر، تختار العديد من العائلات الغابات المجاورة المطلة على البحر للتخييم لأيام وأحياناً أسابيع، وقضاء عطلة الصيف.
وعلى مقربة من الشواطئ الجزائرية وفي المناطق الغابية المطلة على البحر، ظهرت أنواع جديدة من التخييم قرب الشواطئ، وتفضل العديد من العائلات والمجموعات الشبابية التخييم في المناطق المعزولة بعيداً عن ضوضاء الشواطئ القريبة من المدن، والتي تشهد توافداً كبيراً للمصطافين. يحمل هؤلاء أغراضهم وينصبون خياماً من القصب أو أخرى جلدية، ويختارون الشواطئ القريبة من المناطق الخضراء، كتلك الواقعة في محافظتي جيجل شرق العاصمة الجزائرية وتيبازة بغربها.
ولا يفوت يوسف بوشيغة وابن عمه ناصر وزميله سمير أي فرصة للتخييم على شاطئ البحر في منطقة الحمدانية بشرشال أو في شواطئ منطقة حجرة النص. ويعمدون إلى نصب خيمتهم الجلدية التي اشتروها معاً من أحد المغتربين بمبلغ وصل إلى 700 دولار. ويقول يوسف لـ "العربي الجديد" إن "المتعة والنكهة الخاصة بالتخييم البري والتنزه ليلاً على شاطئ البحر والاستمتاع بنسمات الهواء مع مائدة من اللحم المشوي أو السمك لا تضاهيها أي متعة. ونحاول من خلال هذه المبادرات تشجيع الشباب على السياحة الداخلية والتواصل مع الطبيعة في جو من الهدوء والسكينة".
وفي السياق، تبادر جمعيات للرياضيين الهواة إلى استغلال فصل الصيف للتخييم على مقربة من شواطئ البحر. ويقول رئيس جمعية "أحباب العفرون" المعنية بالسياحة بالدراجات الهوائية، نسيم كريبازة، لـ "العربي الجديد"، إنه "في نهاية كل أسبوع من موسم الاصطياف، ينظم برفقة زملائه رحلة إلى الشواطئ الغربية بمحافظة تيبازة، ونختار الموقع بعناية لنصب خيمنا ومعداتنا، مع استئجار شاحنة كبيرة لنقل الأغراض. ونبقى في المخيم ما يقارب ثلاث ليال". ويشير إلى أن "المتعة التي نشعر بها كبيرة جداً بعيداً عن الضوضاء".
بالإضافة إلى المجموعات الشبابية، تلجأ الكثير من العائلات إلى التخييم البري هرباً من الاكتظاظ والفوضى اللذين تشهدهما المدن الساحلية خلال موسم الاصطياف من جهة، وغلاء الشقق والمركبات السياحية من جهة أخرى. وأصبح الكثير من السماسرة يغتنمون فرصة انتعاش السياحة الداخلية وعزوف الجزائريين عن التوجه إلى تونس وتركيا خلال السنوات الأخيرة لمضاعفة بدلات إيجار الشقق التي تتراوح ما بين 50 و200 دولار لليلة الواحدة.
ويقول أرباب عائلات إنهم اختاروا التخييم البري كونه أقل كلفة من الإقامة في الفنادق أو استئجار شقق قريبة من البحر. ويؤكد جمال وهو أستاذ متقاعد من محافظة المدية أنه لا يستطيع تحمل بدلات الإيجار لمدة 15 يوما كاملة، فيلجأ مع عائلته إلى منطقة قوراية التي اعتاد زيارتها في كل سنة ونسج علاقات طيبة مع أهلها. يضيف: "ليس لدينا حل آخر. أحبذ الهدوء والبساطة. وكان هذا حلاً لمواجهة الغلاء الفاحش".
ولا تخلو هذه السياحة من محاذير تأخذها السلطات على محمل الجد لمنع حدوث كوارث كاندلاع حرائق نتيجة إشعال النيران للطهو. يقول رئيس الديوان المحلي للسياحة محمد قوميدي، إن الشواطئ القريبة من مدينة قوراية تشهد توافداً للعائلات التي تفضل التخييم البري، وهذا ما شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية. يضيف: "اتخذنا إجراءات تنسيقية مع مصالح الأمن ومحافظة الغابات وبعض الجمعيات الناشطة في هذا المجال من أجل تنظيم عملية التخييم البري. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة إيجابية بالنسبة للمشهد العام للسياحة، إلا أننا نحاول قدر الإمكان الحفاظ على نظافة المنطقة من النفايات التي تخلفها العائلات، وتفادي اشتعال حرائق نتيجة الشواء".
ويؤكد متخصّصون أن التخييم البري كان منتشراً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكانت العائلات والشبان يفضلون التخييم عند الشواطئ والغابات المجاورة للبحر. إلا أن الظروف الأمنية التي عصفت بالبلاد خلال العشرية السوداء (الحرب الأهلية الجزائرية بين عامي 1991 و2002) وتداعياتها، أدت إلى التخلي عن التخييم البري المعروف بـ "التخييم غير المنظم". أما اليوم، فصاروا ينصبون الخيام بمناطق غابية أو شواطئ معزولة، وخصوصاً بعد الاستقرار الأمني الذي عرفته البلاد والوجود الكبير للمصالح الأمنية التي تحرص في كل صيف على وضع برنامج خاص لتأمين الشواطئ في إطار "المخطط الأزرق".