تنشط بشكل لافت على صفحات التواصل الاجتماعي في العراق منشورات ودعوات ومناشدات للمساعدة وتقديم المال للمحتاجين، مستخدمة صوراً ومقاطع فيديو لحالات مرضية وأخرى إنسانية مختلفة لإثارة عواطف الناس والحصول على دعمهم، وبينما يلف الغموض تلك الجهات التي تروج لهذه الإعلانات، تؤكد جهات أمنية أنّ بعضها يندرج ضمن "التسول الإلكتروني"، وتوصي التعامل معها بحذر.
وتتابع الشرطة المجتمعية في العراق هذا الملف، وتؤكد أنه يتزايد بشكل كبير، وتشدد على أنها تسعى للحد منه والتوصل إلى الجهات التي تروج له، ومحاسبتها قانونياً.
ووفقاً لضابط برتبة مقدم في الشرطة المحلية، فإنّ "عشرات الشكاوى تصلنا من قبل مواطنين بشأن حالات التسول الإلكتروني، وقد وضع أغلبها تحت الرقابة الأمنية"، مبيّناً لـ"العربي الجديد" أنه "لا توجد إحصاءات معينة لتلك الحالات، لكن المؤشر لدينا أنها تتزايد بشكل لافت".
وأكد الضابط العراقي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنه "تمّت مراقبة الكثير من حالات التسول والتوصّل إلى الجماعات التي تتبناها، وأخضع الكثير منهم للتحقيق"، موضحاً أنّ "قسماً من تلك الحالات لا يخرج من إطار التسول الإلكتروني، وهي طريقة جديدة بدأ المتسولون باعتمادها من خلال الاستغاثات الإنسانية التي تطلق عبر صفحات التواصل، كأن تنشر صورة مريض وهو بحاجة لإجراء عملية، أو صورة طفل وهو بحاجة لدعم ليحصل على التعليم، وما إلى ذلك من حالات".
ودعا الضابط إلى "الحذر من التعامل مع هذه المنشورات، لا سيما التي يطلقها أشخاص مجهولون، فإنها تكون أكثر خطراً من الدعوات التي تتبناها شخصيات معروفة بالمجتمع، أو منظمات مدنية معروفة".
ويحذّر مختصون في الشأن المجتمعي من انجرار الكثير من الشباب نحو احتراف التسول الإلكتروني، ما ينذر بمشكلة تحتاج إلى حلول عاجلة.
ويقول الباحث في الشأن المجتمعي، حيدر الفضلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكثير من الشباب، لا سيما العاطلين عن العمل، بدأوا يمتهنون هذه الحرفة، ويروّجون لحملات ومناشدات تحرك المشاعر الإنسانية، ليحصلوا على مبالغ مالية من خلالها، وقد لاقت حملاتهم رواجاً وحققت أرباحاً مالية شجعت الكثير من الشباب على ممارستها".
ويرى الفضلي أنه "على الجهات الأمنية والجهات المختصة الأخرى متابعة هذه الحملات ووضع حد لها"، مشدداً في الوقت عينه على أنّ "الملف لا يمكن أن تتم معالجته عبر العقوبات الأمنية فقط، بل يحتاج إلى حملات وعي متواصلة وندوات تثقيفية من قبل الجهات الأكاديمية والإعلامية، تضع برامج خاصة تحذر من مخاطر الانجرار نحو ممارسة مثل هذه العادات الخطيرة".
ويحذر الفضلي من أنّ "تجاهل هذه العادات وعدم وضع حلول لها، يضعنا أمام مشكلة مجتمعية تؤثر على ثقافة المجتمع من جانب، وحتى على أمنه"، مشيراً إلى أنّ "الشاب الذي يتعود على الحصول على مبالغ مالية كبيرة من دون جهد والتزام بالعمل، يكون عرضة أيضاً للانجرار والانضمام إلى جماعات مسلحة وإرهابية وعصابات مختلفة، الأمر الذي تكون له انعكاسات مجتمعية خطيرة".
وأثارت الكثير من تلك الحملات الجانب العاطفي لدى العراقيين، الذين أسهموا بمبالغ مالية استجابة للدعوات.
ويقول ليث علي (31 عاماً) وهو من أهالي بغداد، لـ"العربي الجديد"، "أسهمت بمبلغ مالي كبير استجابة لمناشدة أطلقت عبر صفحات التواصل الاجتماعي لإجراء عملية جراحية لطفل يتيم"، موضحاً "قدمت الدعم المالي لدافع إنساني فقط".
ويوضح أنّ "تلك الحملات لا تخلو من الجانب الإنساني، خاصة عندما يتبناها أشخاص هم ضمن معارفنا وأصدقائنا"، مشدداً على أنّ "التحذير والمخاوف يجب أن تكون من الأشخاص الوهميين الذين يطلقون تلك المناشدات، أما المعروفون فإنها تدخل ضمن الجانب الإنساني".