ليس هناك من تقدير لحجم الخسائر على صعيد المنطقة العربية التي أورثنا إياها كوفيد-19 ومتحوراته. والمقصود بالخسائر هنا جملة ما نجم عن الكارثة، وما يمكن أن يشكل موارد اقتصادية فائتة مستقبلاً.
يتعلق الأمر إذاً بأجيال ممن هم في الأعمار التعليمية فقدوا فرصهم المتاحة. ينطبق هذا على الصغار في المدارس والثانويات، وعلى الكبار أيضاً ممن هم في المعاهد والجامعات. وعليه، نتيجة ما خسروه من زمن مهدور، من المتوقع أن ينعكس ذلك على أوضاعهم التعليمية والمهنية مستقبلاً، ويقلص من فرصهم في الترقي والمساهمة في الاقتصادات الوطنية.
الإحصاءات التي تقدم بها كل من البنك الدولي واليونيسكو واليونيسف تتناول نتائج أزمة التعليم باعتبار أنها أزمة عالمية. وهو صحيح إلى حد ما، لكن الواقع العربي يتجاوزه بأشواط، باعتبار أن المنطقة العربية لم تعانِ من تفشي الوباء ومستتبعاته على صعيد المدارس والجامعات فقط، بل عانت من تكامل أزمتين عشناهما معاً. فتفشي الوباء كان حدثاً كونياً أصابنا كما أصاب معظم دول العالم.
أما الفوضى الكيانية والحروب الطاحنة المتداخلة محلياً وإقليمياً ودولياً، فقد اقتصرت تقريباً على المنطقة العربية بدءاً من الشمال الأفريقي، وصولاً إلى الصومال، مروراً بحوض المتوسط والعراق واليمن بطبيعة الحال. أي إن معظم الدول العربية تأثرت خلال العقد الأخير على نحو جزئي وشامل بالوضع الأمني والسياسي المضطرب.
بالطبع، يبقى مكان خاص للشعب الفلسطيني، ما هو منه تحت الاحتلال، ومن هم في القطاع أو دول الشتات. كل هذا مع استثناء الحرب الواسعة التي شهدتها أوكرانيا منذ فبراير/ شباط الماضي وانعكست وبالاً عليها، وطاولت في هزاتها الارتدادية أميركا ومجمل الدول الأوروبية، التي باتت تتجه نحو العسكرة، وتخصيص أجزاء كبرى من ميزانياتها لتعزيز أوضاعها الدفاعية وصناعة الأسلحة.
المهم أن مجمل الدول العربية شهدت تداخل الأزمتين معاً، عطفاً على المعضلة الأصلية المتمثلة بضعف أوضاع ومخرجات التعليم في شتى المراحل، بالقياس إلى ما يتحقق في الدول المتقدمة من العالم.
ينطلق التقرير الصادر مطالع العام الجاري عن البنك الدولي، بالتعاون مع منظمتي اليونسكو، واليونيسف، من تقدير ارتفاع كلفة إغلاق المدارس جراء كوفيد-19، على الطلاب الحاليين إلى مستويات "أكثر" مما كان متوقعاً في تقارير أممية سابقة.
ووفق التقرير الذي صدر تحت عنوان: "حالة أزمة التعليم العالمية: مسار نحو التعافي"، فإن الجيل الحالي من الطلاب "مهدد بخسارة 17 تريليون دولار من إيرادات أفراده في المستقبل، أي ما يعادل 14 في المائة من إجمالي الناتج العالمي، وفقاً للقيمة الحالية للدولار، مقارنة بما كان يقدر، العام الماضي، بحوالى 10 تريليونات دولار فقط". أي إن الزيادة تعادل الـ 70 في المائة عما كان قبلاً.
لا يفرد التقرير تقديرات للمكونات الإقليمية والدولية لإجراء عملية مقارنة بين الخسائر في الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية والجنوبية والشرق الآسيوي والمنطقة العربية وغيرها، لكنه يُظهر زيادة في نسبة الأطفال الذين يعيشون في ما يصفه بالفقر التعليمي في الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، بنحو 17 في المائة، حيث تصل النسبة إلى 70 في المائة بسبب إغلاق المدارس لفترات طويلة، وعدم فاعلية التعلّم عن بُعد في ضمان الاستمرار الكامل للتعليم في إثناء إغلاق المدارس. ويؤكد أن "إغلاق الحكومات للمدارس والتوجه نحو التعليم عن بُعد لم يترافق مع امتلاك وسائل الوصول إلى الإنترنت الذي لم يكن متاحاً الإفادة منه أمام الكثيرين".
(باحث وأكاديمي)