يعاني التعليم في العالم العربي من أزمةٍ غاية في الخطورة، وهي في الحقيقة ليست خطرة فقط، ولكنها مزمنة أيضاً ويصعب حلّها، بسبب دوام أسباب الأزمة وتوغّلها في كل المؤسسات. فقد أشارت التقارير أكثر من مرة إلى أن الوطن العربي هو أكبر بؤرة للأمية في العالم.
وقد حددت منظمة اليونسكو مشكلة التعليم في الوطن العربي من خلال برنامج التعليم في العالم، وقد وضع البرنامج هذه المشكلات في تقريره الذي أوضح أن مشكلات التعليم في الوطن العربي تختلف من دولة لأخرى، فهناك فرق بين دول الخليج والدول العربية الواقعة في قارة آسيا، والدول العربية الواقعة في أفريقيا، وفروق بين الدول الواقعة في شمال أفريقيا والدول الواقعة في الجنوب. وتتمثل تلك الفروق في إمكانات تلك الدول المادية؛ فالوضع يختلف من دول لأخرى، وهذا الأمر يؤثر على جودة التعليم، والمال في بعض الأحيان يصبح نقمة؛ لأن كثيراً من الدول العربية لا تهتمُّ ببناء جامعات خاصة بها، وتهتم ببناء فروع للجامعات الغربية الأميركية والإنكليزية مثلاً، وبالتالي إذا نفد المال نفد التعليم؛ لأن التعليم في تلك الدول مرتبط بالمال، فتحدث مشكلة كبيرة تقود إلى إقفال أبوابها.
هناك بعض المشكلات الأخرى تتلخّص في طغيان الطابعِ النظري والمناهج النظرية في المنظومات التعليمية، كما أن الأساليب المستخدمة في التطبيق بدائية جداً وتقليدية، وهناك عدم قدرة الطلاب على الاستفادة من المحتوى التعليمي المقدّم لهم، ويتم تخريجهم وهم ليسوا على دراية بما يجب أن يفعلوه بعد التخرّج. وهناك قلة نسبية في استكمال التعليم في الدول العربية بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة للخريجين، وتحذيرات من تكدّس المناهج التعليمية والاعتماد على التلقين المستمر، وإهمال الجانب التطبيقي العملي لتلك المناهج، والافتقاد إلى المكتبات وعدم متابعة المصادر والمنشورات العلمية والمختبرات. كما أن عدد ما هو متوافر غير كافٍ لكل الطلاب الموجودين في المدرسة والكلية، وحذرت اليونسكو من شيوع استخدام العنف بأشكاله في المدارس والجامعات؛ مما أدًّى إلى ضعف انتماء الطلاب وحبهم لاستكمال العملية التعليمية نحو مراحل أكثر تقدماً.
وأشار التقرير إلى أن هذه المشكلات والخلل الموجود في المنظومة التعليمية لا يقتصر على الوطن العربي فقط، ولكن معظم الدول الأوروبية تعاني من تلك المشكلات، ويتسبب ذلك في فشل العملية التعليمية لديها، ويضطرون - مثلهم كمثل الدول الفقيرة - للسفر إلى أميركا وكندا للتعلم هناك.
تبرز المحاكاة الواردة في التقرير مدى تدهور نتائج التعليم لدى ملايين الأطفال في المنطقة. و"بما يتعدّى التأثير المحتمل على تعليم الأطفال، الذين عانى الكثيرون منهم الهشاشة والحرمان أصلاً، ليشمل العواقب التي تطاول صحتهم النفسية ورفاههم وتنشئتهم الاجتماعية ومشاركتهم في سوق العمل وما قد يجنون من أرباح على مدى الحياة. وعليه، من المتوقع أن تصل الخسائر إلى تريليون دولار أميركي للمنطقة ككل في أسوأ السيناريوهات".
يبقى القول إن التعليم يمكن أن يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات المستقبلية. رغم أن السياسيين لا يتجاوبون مع نداءات المربين وخبراء التعليم في الوطن العربي، بإجراء الإصلاحات التربوية الضرورية والمشاركة في بناء القرار التربوي لأن اتخاذه مهمة اجتماعية متكاملة وهو أخطر من أن يترك للسياسيين وحدهم.
(باحث وأكاديمي)