لا يخضع التلامذة والطلاب الفلسطينيون لظروف وعوامل موحدة تجمع بينهم. فهناك من هم تحت الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، وفي قطاع غزة المحاصر والمدمر. وهؤلاء يتوزعون بين مدارس تديرها وكالة الأونروا وأخرى تتبع الوزارة الفلسطينية أو هيئات خاصة. وهناك أبناء فلسطين في الدول العربية المضيفة، وهي الأردن ولبنان وسورية، فضلاً عن أولئك الذين هاجروا نحو دول بعيدة ويخضعون لأنظمتها في الدراسة والامتحانات. ثم إن ذويهم يتوزعون بين الإقامة في المخيمات أو يسكنون المدن والقرى.
بالطبع، إن الفلسطينيين مثل باقي الشعوب العربية، يندرجون ضمن فئات وطبقات وشرائح. المهم أن لدى الأونروا أكثر من نصف مليون تلميذ وحوالى 722 مدرسة وأكثر من 20 ألف إداري ومعلم. هؤلاء بالإجمال يعانون من أوضاع خاصة بكل واحدة من فئاتهم تبعاً للمكان الذي حطّ فيه الأهل رحالهم. ففي الضفة هناك الاحتلال وحواجزه وجداره العازل وإجراءاته القمعية اليومية بما تتضمنه من تعقيد للوصول إلى المدارس والجامعات واعتقالات، بل وقتل لمجرد الاشتباه لا أكثر. وفي غزة خرج الأحياء منهم من مذبحة طاولت المدينة والمخيمات حديثاً، ومن ضمنها القطاع التعليمي. وفي باقي الدول يخضعون لأنظمة مزدوجة تراوح بين المنهاج الرسمي المعتمد و نظام الأونروا التدريسي.
كل هذا يدخل في الشكل، وفي المضمون يعاني التلميذ والطالب الفلسطيني من مضاعفات وضعه كلاجئ على الصعيدين النفسي والأمني والاجتماعي. الجهود التي بذلتها الأونروا لتأمين ألواح ذكية لمدارسها لم تتكلل بالنجاح الكلي. فالدول والجهات المانحة بدت معنية أكثر في علاج أوضاعها الذاتية مع مضاعفات جائحة كورونا. والأهل في الأغلب شبه معدومي القدرة على تأمين التجهيزات، كذلك إن الحيّز المنزلي ضيق، ولا يتيح التركيز خلال ساعات الدراسة عن بُعد، ولا يستطيع الأهل بمعظمهم المساعدة في توفير أكثر من هاتف أو لوح ذكي لأبنائهم في عمر الدراسة. كذلك يعجزون عن التفاعل مع المواد ومتطلباتها نتيجة أوضاعهم الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وتدني أجورهم. وجملة أوضاعهم المعيشية والثقافية لا تترك لهم مثل هذا الامتياز.
هكذا تضافرت عوامل متداخلة لتقود إلى تراجع مردود الدراسة عن بُعد، خصوصاً أنها تتطلب مستويات ليست بسيطة من القدرة على التعامل مع تكنولوجيا متقدمة. مع ذلك، يمكن القول إن الأونروا ساعدت كثيراً من خلال ما وزعته من ألواح ذكية، وما قدمته لأساتذتها على تجاوز الكثير من العقبات التي يظل الكثير منها قائماً بالنظر لأوضاع المخيمات بالأصل، كبيئة تعاني من تردي الخدمات العامة. بالطبع، هناك إيجابيات وسلبيات، لكن الأخيرة تفوق الأولى باعتراف الأونروا نفسها التي تشرف على عملية التعليم، إذا ما تذكرنا أن على الطالب أن يخضع للامتحان في الشهادات العامة والمدرسية في الصفوف العادية. ومن المعروف أن الأونروا لا تضع المناهج الدراسية، بل تتبنى مناهج الدول والسلطات في مناطق عملها (أردني، لبناني، سوري، وفلسطيني).
رغم التعديلات التي أدخلت على البرامج الدراسية عما توافر في سنوات سابقة، يبدو القلق سيد الموقف لدى التلامذة والطلبة وذويهم من مضاعفات الأوضاع على أداء أبنائهم في الامتحانات وبعدها. فالتلامذة والطلاب خسروا في غضون العامين أكثر مما راكموه من معارف، خصوصاً أن نظام الامتحان بحد ذاته يصدر أحكاماً لا تقبل المراجعة والاستئناف، ما يعني أن نتائجها ستكون مقررة لمصيرهم، لدى شعب درج خلال سنوات محنته على التركيز على التعليم للتعويض عما خسره بالاحتلال والتشرد.
(باحث وأكاديمي)