بعد حصولها على شهادة البكالوريا بمجموع 10 من 20، التحقت التونسية عبير الرحالي (24 سنة) بجامعة حكومية لدراسة اختصاص الإعلام. لكن رسوبها لثلاثة أعوام في الفصل الأول جعلها تقرر الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة لدراسة علوم التمريض.
تقول الرحالي إن ما جعلها تبدل وجهتها نحو التمريض، ونحو التعليم الخاص، كان صعوبة مواصلة الدراسة في التعليم العمومي لتجاوزها عدد سنوات الرسوب المسموح بها في الجامعة. وتضيف لـ"العربي الجديد": "سأدرس علوم التمريض لمدة ثلاث سنوات، وأهلي تكفلوا بدفع قرابة ثلاثة آلاف دولار للسنة الواحدة. الدراسة طبعاً مكلفة مقارنة بدراسة التخصص نفسه في الجامعة العمومية التي تبلغ تكلفتها نحو 500 دولار في السنة، لكنني اضطررت إلى ذلك بعد أن أصبحت غير قادرة على المواصلة بالجامعات العمومية، كما أن الدراسة في التعليم الخاص لا يوجد فيها رسوب".
تختلف أسباب الالتحاق بالتعليم الخاص في تونس، فالبعض يضطر إلى دخول الجامعات الخاصة، بسبب سهولة الالتحاق بها، كونها لا تتطلب الحصول على علامات كبيرة في البكالوريا، ويرى آخرون أنّ التعليم الخاص أفضل من التعليم العمومي، سواء على مستوى جودة البنية التحتية، وتوفر التجهيزات اللازمة للدراسة، أو على مستوى جودة التعليم مهما اختلف الاختصاص.
وتعطي الجامعات العمومية التونسية الأولوية للمتفوقين للالتحاق بمقاعدها محدودة العدد. ليجد من حصلوا على مجموع علامات متوسطة أو ضعيفة أنفسهم مضطرين لاختيار تخصصات لا تناسب طموحاتهم أو قدراتهم، في حين يجد آخرون بديلاً في الجامعات الخاصة، خصوصاً من تتوفر لديهم الإمكانيات المادية، لكن بعض العائلات تضطر إلى الاستدانة، أو الحصول على قروض من البنوك لتأمين أقساط دراسة أبنائها.
وباتت بعض الجامعات الخاصة تقدم تسهيلات في دفع أقساط التعليم، عبر تقسيمها على مدار سنوات الدراسة، وذلك مراعاة لمن لا تتوفر لديهم الإمكانيات المالية، مع القبول بأي طريقة للدفع.
وبحسب جامعة التعليم العالي الخاص (نقابة)، فإنّ الجامعات التونسية الخاصة باتت تستوعب أكثر من 35 ألف طالب، من بينهم قرابة 5 آلاف طالب أجنبي، وأنّ العدد يرجح ارتفاعه خلال السنوات القادمة بسبب تراجع الإقبال على التعليم الحكومي.
من جانبها، تؤكد وزارة التعليم العالي أن العدد الإجمالي لطلبة الجامعات الخاصة يمثل 11.5 في المائة من مجموع الطلبة في تونس.
التحق سفيان خالدي، العام الماضي، بإحدى الجامعات الخاصة لدراسة اختصاص الهندسة الكهربائية، ويقول إنّ مجموع علاماته لم يمكّنه من الالتحاق بكليات الهندسة الحكومية، فاضطر إلى الدراسة في جامعة خاصة بتكلفة تبلغ 6 آلاف دولار سنوياً، وأن المبلغ أمّنته عائلته عبر الاقتراض من البنوك؛ لأنّه لم يكن يريد دراسة أي تخصص آخر، ولا الحصول على شهادة لا تمكّنه من إيجاد فرصة في سوق العمل.
ويشير سفيان خالدي إلى أنّ "أكثر الجامعات الخاصة التي تواجه انتقادات هي تلك التي توفر دراسة الهندسة بمختلف اختصاصاتها، إذ يتهم الخريجون فيها بعدم الكفاءة، والحصول على شهادات عبر دفع مبالغ مالية كبيرة، على الرغم من نجاح العديد ممن تخرجوا من تلك الجامعات، وتفوقهم في عملهم".
ولا ينكر خالدي حصول البعض على شهادات جامعية من دون أن تكون لديهم الكفاءة اللازمة، موضحاً أن "هذا لا يعني أنّ جميع خريجي الجامعات الخاصة فاشلون، أو لا يملكون كفاءة تمكنهم من العمل، ورغم ذلك فإن عمادة المهندسين التونسيين قررت رفض اعتماد شهادات لمهندسين متخرجين في جامعات خاصة".
وسهلت السلطات التونسية منذ الثمانينيات، إنشاء جامعات خاصة، للمساهمة في تخفيف الضغط على الجامعات العمومية. لكنّ التعليم الجامعي بات يثير جدلاً كبيراً بعد إنشاء العديد من الجامعات التي تمارس نشاطها دون أن يكون معترفاً بها من قبل وزارة التعليم العالي، ما يعني حصول الكثيرين على شهادات علمية غير معترف بها.
وفي وقت سابق، أكدت دائرة المحاسبات، وهي هيئة رقابية حكومية مكونة من عدد من القضاة، ارتكاب 7 جامعات خاصة مخالفات قانونية، وعدم التزامها بكراس الشروط الوزاري، وبالتراتيب التي ينصّ عليها القانون.
وتشمل الانتقادات للجامعات الخاصة أنها تقوم سنوياً بتخريج أعداد كبيرة من الطلاب الذين لا مكان لهم في سوق العمل، وترتفع وتيرة الانتقادات كلّما ارتفعت أعداد الملتحقين بتلك الجامعات.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، المنصف بوكثير، أن الوزارة تعتمد أي شهادة لخريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الخاصة المرخص لها، وأنه "من واجب الوزارة حماية خريجي المؤسسات الجامعية الخاصة، بعد أن أصبح التعليم الخاص أمراً واقعاً، والوكالة التونسية للتقييم والاعتماد في التعليم العالي والبحث العلمي، والتي أُنشئت في يونيو/حزيران الماضي، بمقتضى أمر رئاسي، ستتولى ضمن مهامها وصلاحياتها تقييم منظومة التعليم العالي العمومي والخاص".