قبل نحو أربع سنوات، فازت زهية بن قارة برئاسة بلدية شيقارة في ريف ولاية ميلة شرقي الجزائر بعدما ترشحت على قائمة حزب "حركة مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد. ولم تكد تباشر عملها حتى نالت نصيبها من التنمّر بسبب شكلها، ولاحقتها انتقادات كثيرة لترشحها في دائرة محافظة ريفية. وردت بن قارة عبر قناة تلفزيونية مستقلة بالقول: "اتركوني أشتغل ثم أصدروا أحكامكم"، لتنجح في تغيير واقع البلدة تماماً، وتقديم نموذج رائد لنجاح المرأة في تسيير شؤون البلدية، بفعل الالتزام الكبير والجدية التي أبدتها في تنفيذ مشاريع للتنمية المحلية وخدمة السكان، وتطوير البنى التحتية والحفاظ على المال العام. وصارت تقدم كمثال لرئيس البلدية الذي يخدم المواطنين.
ودفع أداء بن قارة إلى مطالبة السكان بترشحها مجدداً للانتخابات التالية لمجالس البلدية والولايات المقررة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وباشرت في الرابع من هذا الشهر حملتها الانتخابية لحشد الناخبين، وحظيت باستقبال لافت في المناطق والقرى التي زارتها، ما عكس مقدار التقدير الكبير لتنفيذها مشاريع خاصة عدة، منها إيصال المياه الصالحة للشرب وأنابيب الغاز الطبيعي إلى مختلف منازل المناطق النائية في البلدة، وتأهيل المدارس والطرقات.
وعلى غراربن قارة، قدمت رئيسة بلدية تازمالت بولاية تيزي أوزو (وسط) سهام بركان نموذجاً فريداً لنجاح المرأة في إدارة البلدية وتسيير أعمالها. فالشابة البالغة 36 من العمر نجحت في الأعوام الأربعة السابقة في توفير احتياجات أساسية لقرى عدة بالمنطقة. ولفتت انتباه وسائل الإعلام خصوصاً بتنفيذها مشاريع لإدخال الطاقة الشمسية إلى المدارس ومؤسسات الخدمات في بلدتها، وتأهيل الطرقات وجلب استثمارات تنموية.
وكان حضور النساء في المجالس البلدية ينحصر في اللجان الفرعية. تشرح العضو السابق عن حزب "تجمع أمل الجزائر" في مجلس بلدية برج بوعريريج بين عامي 2012 و2017، سمية فنغور، لـ"العربي الجديد" أنها فازت بالمنصب بعد التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2008، والتي ساهمت في ترقية المشاركة السياسية للمرأة ضمن المجالس من خلال نظام الحصص "الكوتا"، ما أعاد بحسب قولها "جزءاً من التوازن في التمثيل بين الرجال والنساء اللواتي اهتممن بشؤون التربية والتهيئة العمرانية والأسرة في البلديات، وأثبتن قدراتهن الكبيرة في معالجة اهتمامات المواطنين من خلال تنقلهن بين البيوت في قرى وأحياء فقيرة، واحتكاكهن أكثر بمشاكل الأسرة والمرأة تحديداً".
لكن الأرقام تكشف أن نسبة تمثيل النساء في المجالس المحلية لم تتجاوز الخمسة في المائة، وعدم ترؤس أي منهن مجلس الولاية، في حين تشجع التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون الانتخابات النساء من حملة الشهادات العليا وأولئك المنخرطات في الأحزاب أو المستقلات على الترشح. وتكشف سليمة الوزاني المرشحة عن قائمة "التغيير" المستقلة في بلدية عين وسارة بولاية الجلفة (وسط)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنها قررت الترشح كونها مارست النضال السياسي من خلال جمعيات المجتمع المدني منذ أن كانت في الجامعة، واحتكت كثيراً بمشاكل السكان من خلال العمل في قرى وبلديات ولاية الجلفة. وتلفت إلى أن "عملها تحت مظلة المنظمات والجمعيات في الأحياء والمدن الداخلية جعلها أكثر قرباً من المواطنين"، مشيرة إلى أنها ترشحت للانتخابات ضمن قائمة تضم مجموعة من أبناء المنطقة بينهم 4 نساء، والذين تخرج معظمهم من جامعات وكوادر في قطاعات بالولاية.
ويلاحظ أنّ التعديلات التي أدرجت في قانون الانتخابات، ثبّتت مبدأ المناصفة بين النساء والرجال في قوائم المرشحين، وفرض على الأحزاب السياسية ترشيح عدد النساء نفسه في كل منها. لكن الاقتراع المقبل سيستثنى من قاعدة المناصفة بسبب الظرف الاستثنائي الذي يجري فيه، وعدم قدرة الكيانات السياسية على ضم مرشحات في قوائمها.
من جهتها، تؤكد العضو في حزب "جبهة التحرير الوطني" فريدة علايلي من بلدة وادي الفضة بولاية الشلف غربي الجزائر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "القانون الانتخابي الجديد أفسح في المجال لمشاركة الشابات اللواتي يتمتعن بكفاءات في المجالس المحلية". وتعتبر أن "حضور النساء يتطور مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة، وأنهن نجحن في الانسجام والعمل ضمن فريق محلي، وفي رفع مستوى الإمكانات وضمان وسائل العيش والحياة الاجتماعية الكريمة، ومواجهة مشاكل المواطنين في الأحياء ومناطق الظل، والاستجابة لمطالبهم" .
يذكر أنّ حضور النساء في المجالس البلدية لم يكن متاحاً في السنوات الأخيرة، نظراً إلى خصوصية المجتمع وبعض المدن التي ما زالت تتحفظ على إظهار صور المرأة في لافتات الحملات الانتخابية. لكنهن خضن غمار المعترك السياسي المحلي من بوابة تجارب متنوعة.
وشهدت الانتخابات البرلمانية في يونيو/ حزيران 2021، فوز 34 امرأة بمقاعد في المجلس الذي يضم 407 نواب، ما يفتح شهية بعضهن لخوض منافسات المجالس المحلية، والعمل في الميدان عبر تنمية المجتمع في الداخل.