الجزائر: "طقوس البكالوريا" ترافق تحضيرات التلاميذ

22 يونيو 2021
خلال إجراء الامتحانات (العربي الجديد)
+ الخط -

على امتداد خمسة أيام، يجري تلاميذ البكالوريا في الجزائر امتحانات مصيرية، كما يسمونها، وذلك حتى 25 يونيو/ حزيران الجاري. خلال هذه الفترة، تحرص عائلات كثيرة على استرجاع عادات متوارثة تهدف إلى دعم التلاميذ الممتحنين للشعور بالراحة وتجاوز الخوف، وبالتالي تحقيق النجاح للانتقال إلى المرحلة الجامعية.  
شهادة البكالوريا، أو الثانوية العامة، ليست تفصيلاً عادياً. وهو ما يظهر من خلال ذلك الاهتمام العائلي المبالغ به، كما يعتبر البعض، لكنّ الأساس بالنسبة لتلك العائلات مساعدة التلاميذ من خلال تعزيز ثقتهم بأنفسهم، عبر إحاطتهم بظروف تساعدهم على الدراسة جيداً. لذلك، فإنّ بعض العادات تساعد، برأي بعض العائلات، في توفير كلّ ما قد يحتاجه التلاميذ.  

حلويات
من بين هذه العادات، وضع حبة سكر في فم الممتحن قبل خروجه من البيت، أو تغذيته بإحدى الأكلات الشعبية المصنوعة من الدقيق والعسل، بالإضافة إلى ماء الزهر، كعنوان للسعادة والنجاح. كما تلجأ بعض العائلات إلى رمي المياه والملح عقب خروج الممتحنين من البيت لطرد النحس.
عائلات أخرى تودع التلاميذ الممتحنين من خلال إعداد أكلات وحلويات خاصة بشهادة البكالوريا، مثل "الخفاف" أو "السفنج"، وهي عبارة عن رقائق عجين مطهوة بالزيت، وتعدّ من الحلويات التقليدية التي تصنع من الدقيق والبيض ويضاف إليها العسل، كونها تعطي للتلاميذ طاقة وتساعدهم على التركيز لاجتياز الامتحانات.
بالإضافة إلى ما سبق، يهتم الأهل خلال فترة التحضير لامتحانات البكالوريا بشراء الفاكهة الجافة المحشوة باللوز والفستق والجوز والتمر، نظراً لفوائدها الكبيرة، إذ تساعد التلاميذ على التركيز. في هذا السياق، تقول كريمة مخلوفي، التي يستعد ابنها لإجراء الامتحانات، إنّ "هذه العادات والطقوس تعدّ وسيلة للتبرّك وجلب السعادة وتحقيق الهدوء النفسي للتلاميذ، خصوصاً أنّ الخوف يسيطر على كثيرين لتجاوز الامتحانات المصيرية". تضيف أنّ "عائلات كثيرة توارثت هذه العادات من أجل تشجيع أبنائها على تجاوز الامتحانات من دون خوف، وهي خطوة للتفاؤل. صحيح أنّه ليس لهذه العادات أيّ تأثير، لكنّنا نحترمها كموروث فقط، لأنّها ترفع معنويات التلاميذ وتخفف الضغط عنهم". وترى أنّ تطور المجتمع الجزائري وتحرره نسبياً من كثير من الطقوس والموروثات الاجتماعية، لم يحل دون إصرار بعض العائلات على الحفاظ عليها.

في هذا السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة "باتنة"، شرقي الجزائر، نورة لمطاعي، لـ"العربي الجديد": "هذه العادات ترتبط بالامتحانات عموماً"، لافتة إلى أنّ "اجتياز امتحانات مصيرية يشكل حالة خاصة لدى جميع الأسر الجزائرية من دون استثناء؛ فالبكالوريا من أهم الشهادات التي تهتمّ بها الأسرة الجزائرية، وتبقى العتبة التي تؤهل أبناءها للجامعات. لذلك، تلجأ أمهات كثيرات إلى التبرك بكلّ ما قد يكون مفيداً ويبعث على الطمأنينة ويطرد النحس خلال فترة الامتحانات". تضيف: "صحيح أنّ المجتمع تجاوز جملة من الطقوس الملتبسة مع الدين، إلّا أنّه لا يجد حرجاً في الحفاظ على بعض العادات ذات المعاني البسيطة".

خلال إجراء الامتحانات (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

صلاة
خلال السنوات الأخيرة، بدأت عائلات جزائرية كثيرة تنصح أبناءها المتقدمين إلى امتحانات البكالوريا بالصلاة في المساجد وقراءة القرآن، لتلافي القلق والتوتر، وللشعور بالطمأنينة والاستعداد النفسي للامتحانات. كما تلجأ بعض الجمعيات والمنظمات إلى تنظيم ورش تدريب تساهم في تعزيز الثقة في النفس.
في هذا السياق، تقول المستشارة النفسية حبيبة سدراتي إنّ التلاميذ بحاجة إلى الشعور بالأمان عشية الامتحانات بسبب الهالة الكبيرة التي تحيط بها، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "التلاميذ خلال فترة امتحانات الشهادة الثانوية يشعرون بقلق شديد وخوف من الفشل في اجتيازها"، مشددة على ضرورة حرص الأهل على تحضيرهم نفسياً، وألّا يضغطوا عليهم أكثر أثناء هذه الفترة الصعبة. تضيف: "في النهاية، لكلّ مجتهد نصيب، سواء هذا العام أو الذي يليه".

إلى ذلك، يرى الباحث في علم الاجتماع عبد المجيد حراث أنّ "شهادة البكالوريا تجلب اهتمام الأسر الجزائرية لأنّها تحمِل قيمة كبيرة، وكلّ هذه العادات تفسر اهتمام الجزائريين بقيمة التعليم ومسار أبنائهم في المدارس، والحرص على تحقيق النجاح". يضيف: "النجاح في البكالوريا يعد استحقاقاً عائلياً أكثر منه استحقاق للتلميذ فقط، كسلّم قيمي اجتماعي تطمح له العائلة التي تعتبر أنّ نجاح الابن هو نجاح لها بالضرورة، ويجعلها تفخر به بين العائلات، عدا عن كونه ترقية علمية للتلميذ".
في هذا الإطار، أشارت وزارة التربية الجزائرية إلى أنّ أكثر من 732 ألف تلميذ يجرون امتحانات البكالوريا للعام الجاري.

المساهمون