تكثر وقائع الموت اختناقاً في الجزائر، نتيجة لتسرّب الغاز في البيوت من جراء وسائل التدفئة المستخدمة وغياب التهوية وغير ذلك، ما يدفع المعنيين إلى إطلاق التحذيرات وحملات التوعية
تكثر الأخبار في وسائل الإعلام الجزائرية عن حوادث اختناق في البيوت نتيجة لتنشق الغاز، في ظل كثرة استخدام وسائل التدفئة منذ بدء فصل الشتاء وتدني درجات الحرارة. وتبرز مشكلة غياب التهوية في الكثير من المنازل، ما يؤدي إلى تكرار مثل هذه الحوادث.
مؤخراً، توفي خمسة أشخاص من عائلة واحدة في بلدة نقاوس، في ولاية باتنة شرقي الجزائر، نتيجة اختناقهم بالغاز، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة عبد العزيز جراد إلى التدخل. وقال: "هذه واقعة مأساوية. أحث العائلات على الأخذ بتدابير السلامة والحيطة والحذر للوقاية من مخاطر أجهزة التدفئة، خصوصاً في هذه الأيام الباردة".
وبحسب إحصائيات رسمية، سجلت الجزائر 28 حالة وفاة بسبب استنشاق الغاز منذ بداية الشهر الجاري، في وقت نجح عناصر الحماية المدنية الجزائرية في إنقاذ 557 آخرين، نتيجة لتسرب الغاز من أجهزة تدفئة مستعملة. وتشير دراسة أعدتها الحماية المدنية الجزائرية إلى أن ارتفاع عدد الوفيات يرتبط بموجة البرد التي تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة، فيضطر المواطنون إلى استخدام وسائل التدفئة من دون الحرص على التقيد بتدابير الوقاية أحياناً، ما يؤدي إلى تسرب الغاز. والسبب الثاني هو استخدام وسائل التدفئة القديمة وعدم صيانتها.
"المشكلة في غاز أول أكسيد الكربون السام، الذي لا رائحة له، فيؤدي تسربه إلى اختناق النائمين. إنه قاتل صامت". هذا ما يشرحه المتخصص في قسم الكيمياء الحيوية في جامعة قسنطينة شرقي الجزائر نذير بولعراس. يقول إنه خلال فصل الشتاء، يكثر استخدام وسائل التدفئة بالتزامن مع إغلاق النوافذ. وفي حال كان هناك أي تسرب للغاز، سواء من المدفأة أو غير ذلك، فقد يؤدي الأمر إلى اختناق من هم في المنزل بسبب تنشق أول أكسيد الكربون، وخصوصاً في البيوت التي لا تتوفر فيها شروط التهوية. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن تسرب الغاز يصبح أكثر خطورة في الأماكن الضيقة والمغلقة، إذ يصل إلى الدم ويؤثر على كمية الأكسجين التي يفترض أن تصل إلى الرئة، وبالتالي عدم القدرة على التنفس.
ويشير خبراء إلى أن سبب الاختناق نتيجة استنشاق الغاز مرده إلى استعمال وسائل التدفئة من دون الحرص على التهوية، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بتركيب أنابيب الغاز وتوصيلها، سواء إلى سخانات المياه أو المدافئ أو الفرن للطهي، ما يؤدي إلى تسرب الغاز أحياناً. ويقول مهندس الترصيص (تصليح وصيانة أنابيب الغاز والمياه وأجهزة التبريد والتدفئة وتركيبها في البيوت) أحمد بن عمار، إن بعض العائلات تعتمد على فنيين غير متخصصين لتوصيل الغاز وتركيب الأجهزة، علماً أنهم لا يتمتعون بالخبرة الكافية ولا يملكون الأدوات اللازمة، ما يؤدي غالباً إلى بقاء ثغرات في التوصيلات. وينصح العائلات "بإسناد عمليات التركيب إلى مهندسيين متخصصين، حتى لو كانت الكلفة المادية أكبر، لكنه أكثر ضماناً لصحتهم". ويشير إلى أن إحدى العائلات استعانت بعامل لتركيب أنابيب الغاز، إلا أن عدم إتقانه الأمر كان يمكن أن يكلف العائلة حياتها.
ارتفاع الحوادث الناتجة عن تسرّب الغاز دفع المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك إلى إصدار تحذيرات مستمرة للمواطنين. يقول العضو في المنظمة في منطقة البليدة (قرب العاصمة الجزائرية) نور الدين عنان إن "الحملة تهدف إلى تنبيه الجزائريين للحذر من اقتناء التجهيزات المستعملة في التدفئة والطبخ وتسخين المياه، وأن تكون مطابقة للمعايير والمواصفات الفنية"، محذّراً من تركيب سخانات داخل الحمامات نفسها، علماً أنه يفترض وضعها في مكان مفتوح تفادياً للخطر.
يضيف أن "المنظمة حثت المواطنين على إجراء كشف دوري للأجهزة التي تعتمد على الغاز من قبل متخصصين، وتركيب جهاز لقياس مستوى غاز أول أكسيد الكربون في المنزل لحماية العائلات في حال كان هناك أي تسرب للغاز.
وأطلقت الحماية المدنية الجزائرية حملة بالتنسيق مع الشركة الوطنية للكهرباء والغاز والجمعية الجزائرية للمرصصين الجزائريين، للتوعية حول كيفية الوقاية من الحوادث الناجمة عن الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون، وخطورة الاستعمال السيئ لأجهزة التدفئة. ودعت المواطنين في مختلف الولايات إلى مراقبة الأجهزة التي تعتمد على الغاز يومياً وصيانتها دورياً.
كذلك، حثت وزارة التجارة التجار على اقتناء أجهزة التسخين والتدفئة والتأكد من مدى مطابقتها لمعايير السلامة والأمان قبل بيعها. كذلك، تقرر تقديم دروس دورية في المؤسسات التربوية بالتنسيق مع وزارة التربية للتلاميذ والطلاب، وحثهم على تنبيه عائلاتهم بشأن تسرب الغاز، وتعليمهم كيفية التصرف في حال تسربه.