يبدو أنّ غالبية حرائق الغابات التي تجتاح شمال الجزائر، أصبحت تحت السيطرة الجمعة، خصوصاً في منطقة تيزي وزو الأكثر تضرراً في منطقة القبائل، بحسب السلطات. وبعد إعلان "إخماد كلّ حرائق الغابات التي اندلعت صباح اليوم، في تيزي وزو"، أفادت الحماية المدنية باندلاع "خمسة حرائق" في هذه الولاية.
ويواصل عناصر الإطفاء ومتطوعون مكافحة 35 حريقاً في 11 محافظة أخرى، من بينها جيجل وبجاية وبومرداس وفق أحدث تقرير للحماية المدنية. وفي المجموع، أُخمد 76 حريقاً من أصل مئة أحصيت الخميس، في 15 محافظة في البلاد. وشاركت طائرتان فرنسيتان الخميس، في الجهود المبذولة في منطقة القبائل ومن المتوقّع أن تصل ثلاث قاذفات ماء أخرى، الجمعة، من إسبانيا وسويسرا بحسب الرئيس عبد المجيد تبون. ولقي ما لا يقل عن 71 شخصاً حتفهم في هذه الحرائق "المفتعلة" وفق السلطات، وقد أجّجتها الحرارة الشديدة.
لكن خبيراً متخصّصاً في المخاطر الكبرى، قال إنّ حرائق الغابات في شمال الجزائر، كشفت عن عدم استباق السلطات العامة الأحداث واتخاذ استعدادات لمواجهة حرائق تتكرّر كل صيف. ويقول مدير الأبحاث في جامعة باب الزوار، في الجزائر العاصمة، ورئيس نادي المخاطر الكبرى، عبد الكريم شلغوم، إنه "محبط" أمام هول الكارثة التي يعتبر أنها كانت "متوقعة"، مبدياً أسفه لغياب "الإرادة السياسية" لتلافيها. وهو هنا يجيب عن أسئلة "فرانس برس":
ما أسباب عدم جهوزية السلطات وضعف قدراتها في مواجهة الحرائق التي دمّرت آلاف الهكتارات خلال أكثر من عقدين؟
"شهدت الجزائر بين عامي 2001 و2004، أربع ظواهر ذات مخاطر كبرى: فيضانات باب الواد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 (950 قتيلاً و150 مفقوداً)، غزو هائل للجراد في الجنوب، زلزال بومرداس في 21 مايو/أيار 2003 (3000 قتيل) ثم انفجار في مصنع للغاز في سكيكدة في يناير/كانون الثاني 2004. وقررت الحكومة بعدها إنشاء لجنة خبراء مهمّتها صياغة قانون بشأن إدارة المخاطر الكبرى في سياق التنمية المستدامة. وأقرّ البرلمان القانون وأصدره في 25 ديسمبر/كانون الأول 2004. لكن للأسف ورغم إصرارنا، لم تبصر المراسيم التطبيقية النور قط. تضمّن القانون على وجه التحديد حرائق الغابات، مع التدابير الاستباقية وقواعد الحماية كافة وإدارة المناطق الجبلية والأحراش والمساحات المكسوة بالغابات. كل شيء كان مكتوباً ومتوقعاً: شراء طائرات لمكافحة الحرائق وأجهزة استشعار عن بعد".
ما هي نتائج عدم تطبيق القانون في الوقت الراهن؟
"تعاني أجهزة الحماية المدنية في الميدان، جراء عدم وجود مسارات في الغابات ولا نقاط مياه أو خنادق. أدى ذلك كلّه إلى تعقيد تدخل رجال الإطفاء والمهندسين (العسكريين) الذين يلعبون بشكل عام دوراً مهماً للغاية أثناء الكوارث الطبيعية. عندما تغيب أبسط قواعد الوقاية، تصبح إدارة الاستجابة أثناء الكارثة معقّدة. هذا هو الوضع الأسوأ الذي يخشاه جميع خبراء المخاطر الكبرى. استفادت الجزائر من سيل من الدولارات لسنوات بفضل الوقود. لسوء الحظ، لم يفعل المسؤولون في البلاد الذين أصدروا هذا القانون من دون تطبيقه (في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة) شيئاً. مع ذلك، فقد توقعنا كل شيء. لو توفّرت إرادة سياسية لكنا أكثر استعداداً. أشعر بالإرهاق والإحباط في الوقت ذاته".
ماذا عن تأثير التغيّر المناخي على الحرائق والثروة الحرجية؟
"صنّف خبراء المناخ في الأمم المتحدة في تقريرهم الأخير الجزائر على أنها نقطة ساخنة للتغير المناخي. يمثّل التصحّر والجفاف خطراً كبيراً في الجزائر، مع الإجهاد المائي وحرائق الغابات المدمرة وخصوصاً الفيضانات. كان على السلطات العامة أن تكون على جهوزية. نحن، كخبراء ومجتمع مدني، لم نتوقف أبداً عن إبلاغهم وتنبيههم. يتعلّق الأمر بقضية أمن قومي. وهناك أكثر من عشرة مخاطر كبرى تهدد البلاد بشكل متزامن ومنتظم. التهديدات موجودة أساساً. إنها هناك. وتتمّ إدارة المخاطر الرئيسية عن طريق التوقع والتنبؤ والوقاية".
(فرانس برس)