جدّدت الحكومة الجزائرية التزامها بعدم العودة إلى تنفيذ أحكام الإعدام في الجزائر، والتقيّد بالالتزامات والتعهدات الدولية، بعد 30 عاماً من آخر حكم نفذ في حق متهمين عام 1992، على الرغم من استمرار مطالبات سياسية ومجتمعية بتطبيق هذه العقوبة في جرائم الاختطاف وقتل الأطفال والاغتصاب.
وقال وزير العدل عبد الرشيد طبي، خلال جلسة استجواب في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان)، اليوم الخميس، إنّ "الدولة الجزائرية قد اتخذت حلاً وسطاً من خلال قرار سياسي بتجميد تنفيذ عقوبة الإعدام منذ 30 سنة، واتجهت في السنوات الأخيرة لتقليص هذه العقوبة بالنسبة لبعض الجرائم من باب الالتزام بتعهداتها الدولية"، مضيفا أن الجزائر "ملتزمة بعدم العودة إلى تطبيق الإعدام، لعدم القناعة بجدوى ذلك على صعيد ردع الإجرام".
وأكد الوزير، الذي كان يرد على مطالبة النائب فؤاد سبوتة بشأن ضرورة العودة إلى تطبيق أحكام الإعدام، أنه يتفهم تجدد النقاش حول العودة إلى تنفيذ العقوبة كلما شهدت الجزائر جرائم خطيرة، "حيث تجتاحنا رغبة قوية في تسليط أقصى العقوبات ضد المتسببين في هذه الجرائم"، لافتا إلى أن "هناك اعتقادا أنّ الحد من الجرائم الخطيرة يكون بتطبيق الإعدام، وأن ردع المجرمين لن يتحقق إلا بالعودة إلى هذه العقوبة".
وأشار إلى أن "السلطات تقوم بجهود كبيرة في محاربة الجريمة وشبكات المتاجرة بالبشر وهتك العرض والاختطاف وعصابات الأحياء، إذ تم إصدار قوانين خاصة لردع هذا النوع من الجرائم التي برزت في الفترة الأخيرة في البلاد، كالاختطاف، حيث إن هناك عقوبات مشددة تصل إلى المؤبد، كما قمنا بتطوير التحريات واستخدام البصمة الوراثية".
تزايد الدعوات لتطبيق الإعدام
وتسبب تزايد منحى جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب خلال الفترة الماضية، بصورة مقلقة باتت تهدد الأمن العام والسلم المدني للمواطنين، في ازدياد الدعوات من قبل نشطاء وقوى سياسية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لاتخاذ قرار وفقاً لصلاحياته الدستورية، للعودة المحدودة لتنفيذ عقوبة الإعدام في بعض الجرائم.
وأبدى وزير العدل عدم اقتناعه بأن تطبيق عقوبة الإعدام "عامل رادع للجرائم"، وقال إن "الجدل الذي ثار أخيرا على المستوى الدولي حول عقوبة الإعدام تلاشى تدريجيا بعد تبني مبدأ مناهضة سن هذه العقوبة وتنفيذها على مرتكبي الجرائم الخطيرة، بما فيها جرائم القتل، وأصحاب هذا الطرح يعتبرون أن تطبيق هذه العقوبة يشكل مساسا بحق الحياة، وأنها عقوبة غير إنسانية تستوجب الإلغاء".
وذكر طبي أن "هناك دولا قليلة ما زالت تطبق الإعدام، وبكل موضوعية إذا كان الهدف من تنفيذ عقوبة الإعدام من الناحية العلمية هو تحقيق الردع العام والخاص، فإن الموقف الذي اتخذته الجزائر بالنسبة لإبقاء هذه العقوبة في بعض أحكام التشريع يسمح لقضاة المحاكم الجنائية بالنطق بها في الجلسات، دون إغفال التوجه العالمي الجديد والغالب الذي يشكك في جدوى عقوبة الإعدام في تحقيق الردع، ويعارض الإبقاء عليها، مستدلا بالإحصائيات المتعلقة بالجرائم".
وكشف تقرير سابق لفرع منظّمة العفو الدولية في الجزائر، في مايو/أيار الماضي، عن 1000 حالة حكم بالإعدام في الجزائر متوقّفة التنفيذ، كما سجّل إصدار تسعة أحكام إعدام السنة الماضية 2021، لافتا إلى انحسار عدد حالات الأحكام بالإعدام في السنوات السبع الأخيرة، أي منذ العام 2015.
واعتبرت المنظّمة أن "الجزائر أهدرت فرصة إلغاء عقوبة الإعلام خلال التعديل الدستوري الأخير في نوفمبر 2020". وكان آخر تنفيذ لهذه العقوبة في حقّ أربعة مدانين بتفجير مطار الجزائر الدولي هواري بومدين، في شهر أغسطس/آب 1992، وهي العملية التي خلفت مقتل 8 أشخاص وإصابة ما يربو على 118 آخرين.
وكان وزير العدل الجزائري قد ردّ الأسبوع الماضي في جنيف السويسرية، خلال الاستعراض الدوري لملف الجزائر في مجلس حقوق الإنسان، على مطالبات دولية بالإلغاء الكامل لتنفيذ عقوبة الإعدام، حيث قال إن بلاده "تلتزم منذ سبتمبر/أيلول 1993 بعدم تنفيذ أي حكم للإعدام، أي منذ ثلاثين سنة، كما أنه تم الإبقاء على حكم الإعدام في قانون العقوبات في بعض الجرائم الخطرة، بينما تم استبدالها بعقوبات أخرى في بعض التهم"، مشيرا إلى صدور مراسيم عفو رئاسي في حق بعض المحكوم عليهم بالإعدام خلال العقود الثلاثة الماضية أو استبدالها بعقوبات أخرى.
من جهته، دعا عضو مجلس الأمة فؤاد سبوتة إلى فتح نقاش جدي في البرلمان عبر يوم دراسي، بمشاركة الأكاديميين والإعلاميين والمختصين، حول مسألة عقوبة الإعدام في علاقة بالردع ومنحى الجريمة، مشيرا إلى أن "مثل هذا النقاش نابع مما يعانيه مجتمعنا الجزائري من ارتفاع في معدلات الجريمة والاختطاف وغيرهما".