كشفت بيانات رسمية نشرتها وزارة الدفاع الجزائرية أنّ وحدات حرس السواحل تمكّنت من إحباط سلسلة من محاولات الهجرة السرية انطلاقاً من السواحل الجزائرية نحو السواحل الإسبانية والإيطالية في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، فيما بلغ عدد الموقوفين أكثر من ألف مهاجر منذ بداية شهر أغسطس/ آب الماضي وحتى منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.
وأوضحت وزارة الدفاع أنّه تمّ في خلال تلك العمليات توقيف 354 مهاجراً سرياً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع في الفترة الممتدة ما بين الثامن والرابع عشر من سبتمبر الجاري، وهو رقم كبير خلال أسبوع واحد ويؤشّر إلى عودة مكثفة لرحلات الهجرة السرية انطلاقاً من الجزائر، بسبب تردّي الظروف المعيشية وغموض أفق الإصلاح السياسي، وكذلك الاقتصادي في البلاد.
وكانت وزارة الدفاع قد أعلنت، خلال الأسبوع الأوّل من شهر سبتمبر الجاري، عن تمكّن حرس السواحل من إحباط محاولات هجرة سرية عند السواحل الوطنية، شملت 146 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع. كذلك، أُنقذ 17 مهاجراً سرياً آخر في عرض البحر بالقرب من العاصمة الجزائرية بعد غرق قاربهم، فيما أوقف حرس السواحل 96 يحاولون الهجرة بطريقة غير نظامية على متن قوارب تقليدية الصنع، خلال الأسبوع الأخير من أغسطس/ آب الماضي. وقبل ذلك، أوقف 473 مهاجراً سرياً، ثمّ 128 آخرين على التوالي في دفعتَين في خلال الشهر نفسه.
وفي سياق متصل، أعلنت قيادة الدرك الوطني، مساء أمس الخميس، إفشالها محاولة هجرة سرية عبر البحر شملت 15 مهاجراً سرياً، كانت مبرمجة للانطلاق من سواحل مدينة عنابة شرقي الجزائر في اتجاه السواحل الإيطالية.
وذكرت أنّ التحقيقات أفضت إلى توقيف شخصَين ناشطَين في إطار التنظيم الانفصالي "ماك" كانا ينويان الإفلات من المتابعات القضائية والهرب إلى خارج البلاد، بعدما تلقيا تعليمات من قبل قياديّي التنظيم في الخارج بضرورة مغادرة الجزائر. وقد وُجّهت إليهما، بالإضافة إلى تهمة محاولة الهجرة السرية، تهم "الانخراط في جماعة تخريبية تسعى إلى استهداف أمن الدولة والوحدة الوطنية وسلامة الأرض والإشادة بالأعمال الإرهابية".
ويبلغ مجموع المهاجرين السريين الذين أعلنت السلطات الجزائرية توقيفهم منذ بداية شهر أغسطس/ آب الماضي 1222 مهاجراً، وهو رقم كبير في غضون شهر ونص الشهر، ومقارنة بالأرقام المسجّلة في الأعوام السابقة.
وعلى سبيل المثال، أوقف في عام 2018 كلّه نحو 1800 مهاجر سري، وهو عدد يقارب ما سُجّل في شهر ونصف الشهر فقط من هذا العام. واللافت أنّ عدداً من هؤلاء الموقوفين من خرّيجي الجامعات العاطلين عن العمل والذين يفضّلون الهجرة على البقاء في البلاد.
ويعيد المراقبون ارتفاع مستويات الهجرة السرية من الجزائر إلى زيادة مستوى الإحباط لدى عموم الشباب الجزائري، خصوصاً بعد فشل الحراك الشعبي في تحقيق التغيير السياسي في البلاد، ونجاح السلطة في إعادة ترتيب بيتها والقفز على المطالب السياسية من جهة، وكذلك التراجع الرهيب في الحريات وتدني مستوى العيش وغلاء الأسعار.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث المتخصص في القضايا الاجتماعية عبد الحميد ميساوي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من أجل معرفة أسباب الهجرة السرية إلى أوروبا، لا بدّ لنا من أن نراقب مؤشّر صعودها ونزولها. وقد لاحظنا مثلاً أنّه وفي عام 2019، عندما كان الحراك في أوجه، كانت معدّلات الهجرة في مستويات دنيا، إذ كان الأمل في التغيير يشجّع شباباً كثيرين لاعتقادهم بأنّ ثمّة تغييراً حقيقياً في البلاد من شأنه أن يمنحهم الفرصة لإبراز مواهبهم وتفريغ قدراتهم الكامنة".
يضيف ميساوي: "لكنّ وصول باخرة الحراك إلى مراسٍ أخرى غير تلك التي كان يتمنّاها الشباب، كان سبباً في ارتفاع نسبة الإحباط. فقد أيقن الشباب أنّ فرصة العيش والنجاح في البلاد غير ممكنة". ويتابع: "لذلك نلاحظ كيف ازدهرت تجارة تهريب البشر عبر الزوارق التي يدفع الشاب بدلاً لها مبالغ باهظة (نحو 3500 يورو) حتى يتحوّل إلى لاجئ بآفاق مجهولة. لكنّ ذلك بحسب الشباب أفضل من البقاء في مجتمع مغلق سياسياً وفاسد اقتصاديا وآيل إلى التفكك اجتماعياً".
ويصرّ الشباب الجزائري على البحث عن آفاق جديدة للعيش في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من تشدّد قانوني تبديه الجزائر إزاء المهاجرين السريين، فقد سبق أن أدخلت تعديلات قانونية لمحاربة الهجرة السرية، وأقرّت تجريم كلّ شخص يحاول القيام بذلك والحكم عليه بالسجن ما بين ثلاثة أشهر وتسعة. كذلك، أقرّت تجريم عناصر شبكات الهجرة السرية.
يُذكر أنّ دولاً أوروبية، من بينها ألمانيا، صارت تعمد إلى عمليات ترحيل للمهاجرين السريين الجزائريين، إذ تُعدّ الجزائر بلداً آمناً وترفض منحهم حقّ اللجوء.