وسط الصراعات السياسية القائمة بين شرقي ليبيا وغربها منذ عام 2014، يبقى الجنوب الليبي خارج دائرة الضوء، في حين يشكل المساحة الكبرى في ليبيا، لكن الكثافة السكانية في البلاد تنحصر في الشريط الساحلي الشمالي الخصب الذي يمتد على مسافة 2000 كيلومتر؛ من معبر رأس الجدير الحدودي مع تونس غرباً إلى معبر امساعد مع مصر شرقاً. وهكذا تبقى المناطق الصحراوية الجنوبية مهملة رغم أنها تضم غالبية مخزونات الدولة من الثروات المعدنية والبترولية والمياه الجوفية أيضاً.
يقول أهالي الجنوب الليبي إنهم يعانون من نقص حاد في الخدمات المعيشية والصحية، ومن عدم توفر الأمن، ويعزون معاناتهم الى الإهمال الحكومي والرسمي الكبير بسبب الصراعات السياسية.
يقول الناشط السياسي والمدني، رمزي المقرحي لـ"العربي الجديد" إن "مزيج التبعية وابتعاد الجنوب عن مدن الشمال الأكثر ازدهاراً تسببا سابقاً في إهمال مدن وسكان الجنوب وصولاً حتى إلى عدم تغطية أخبار الكوارث الطبيعية التي تحدث في الجنوب وتؤثر على حياة سكانه، وهو ما حصل حين غمرت سيول الأمطار بشكل غير اعتيادي غالبية مناطق الجنوب الغربي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري".
وتركزت السيول في أوباري، أهم مدن الجنوب، وتسببت في إصابة شخص تهدم منزله، وتضرر منازل، وتعطل الدراسة، بينما لم ترشح أي أرقام أكيدة أو حتى تقديرات عن حجم الأضرار من أي من حكومتي البلاد المتصارعتين على السلطة في طرابلس وبنغازي.
يقول متضرر من السيول في أوباري يدعى تيدالي التارقي لـ"العربي الجديد": "لم نرَ أي اهتمام من الحكومات، والذي لم ننتظره في الأصل إذ تولينا الأمور بأنفسنا وبمساعدة بسيطة من بعض الجهات العامة في المنطقة لتنظيف آثار السيول، ومحاولة إعادة الوضع إلى طبيعته". يضيف: "لا بدّ أن يتحرك المجتمع الدولي كي تهتم الحكومات بنا ليس فقط في موضوع السيول، بل في كل ما يتعلق بحياتنا، وهو ما حصل في درنة".
من جهته يرى المقرحي أن "الإهمال الحكومي لمناطق الجنوب ليس جديداً أو وليد اللحظة، وهو أمر اعتيادي، علماً أن أكبر المشكلات تتمثل في الوضع السيئ لطرقاتها التي لم تخضع لأي أعمال صيانة منذ أن أنشئت في ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك المطارات مثل مطاري سبها واوباري، كما تعاني هذه المناطق من سوء خدمات الاتصالات الهاتفية والإنترنت".
يتابع: "يجري الاهتمام بالمطارات حين يتعلق الأمر بخطط عسكرية، وهو ما حدث في مطار الجفرة الذي استغله كل الخصوم خلال الحروب، وآخرهم حفتر الذي يسيطر منذ سنوات على المنطقة العسكرية والمطار، وجلب مرتزقة من روسيا وتشاد والسودان لتعزيز قبضته على المطار وحقول النفط".
وفي عاصمة الجنوب سبها، يشتكي السكان منذ سنوات من مشكلات مياه الصرف الصحي التي شكلت بحيرات في مناطق متفرقة، ما ينذر بكوارث بيئية. ويعترف المقرحي بصعوبة حل مشكلة الصرف الصحي نهائياً في الوقت الراهن، لكنه يؤكد عدم وجود محاولات جدية من السلطات في الشرق والغرب للشروع في البحث عن حل للمشكلة. وبسبب سوء الخدمات هاجر حمزة الحامدي وشقيقه إلى طرابلس منذ نحو سنتين، وأقاما في إحدى ضواحي العاصمة.
ويؤكد الحامدي أن موجات هجرة سكان سبها إلى الشمال وباقي مدن إقليم فزان لم تتوقف منذ سنوات، ويقول لـ"العربي الجديد": "ليست الأسباب معيشية فقط، إذ تشمل أيضاً تركز الوظائف والرواج الاقتصادي في العاصمة، والآن يوجد سكان من الجنوب في أحياء كاملة بطرابلس".
وعن مظاهر ضيق العيش في الجنوب، يتحدث الحامدي عن أن "سعر الليتر الواحد من البنزين يبلغ 3 دنانير (61 سنتاً) في السوق السوداء الموازية، أي بزيادة 2000 في المائة عن سعر الوقود المدعوم في عموم البلاد، ويعود ذلك إلى تهريب الوقود المدعوم إلى العمق الأفريقي أو بيعه في الأسواق الموازية بمدن الجنوب حيث ينفق المواطن بين 300 و400 دينار (60 و80 دولاراً) على الوقود شهرياً، ما لا يتناسب أبداً مع دخله الذي لا يتجاوز 1200 دينار في أحسن الأحوال".
ويلفت إلى أسباب أخرى تضيّق الأوضاع المعيشية لمواطني الجنوب وتدفعهم إلى الهجرة إلى الشمال، ومنها عدم الاستقرار الأمني بسبب انتشار السلاح والتشكيلات العسكرية، ووجود مرتزقة أفارقة مسلحين، واستمرار المخاوف من وجود عناصر إرهابية في أعالي المرتفعات والجبال.
إلى ذلك يمثل التعليم تحدياً إضافياً لسكان الجنوب، إذ يضطر أهالي بعض المناطق الى دفع رواتب المعلمين من أموالهم الخاصة كي يستمروا في أداء وظائفهم، في ظل التوقف عن منحها الرواتب أو خفضها في شكل كبير. بدوره يلفت التارقي، الذي يعمل في قطاع الصحة، إلى معاناة أخرى أكثر اتصالاً بالحياة تتعلق، بحسب قوله، "بالحالة المؤسفة للمرافق الصحية، فجزء كبير من مستشفيات الجنوب يحتاج إلى أعمال صيانة عاجلة بعدما عانت من الإهمال فترات طويلة، وأيضاً إلى معالجة النقص في الكوادر الطبية والطبية المساعدة والأجهزة والمعدات وغرف العمليات، وتوفير خدمات أساسية مثل الصرف الصحي والمياه التي تنقطع كثيراً وكذلك الكهرباء".