يزداد انتشار علاج الحجامة في تونس باعتباره أحد أشكال الطب البديل الذي يلجأ إليه مرضى أو حتى أصحاء لمحاولة تحسين أوضاعهم الصحية، بينما يغيب عن ترسانة القوانين التي تنظم مختلف الأنشطة الطبية وشبه الطبية، والنصوص التي تحدد طرق ممارسة هذا النشاط، والمسؤولية الجزائية لممارسيه.
وتخصص مواقع التواصل الاجتماعي صفحات كثيرة تتضمن منشورات تروّج لمراكز علاج الحجامة الذي كسب اعترافاً مجتمعياً منذ عقود طويلة، باعتباره من ممارسات الطب البديل، و"مهنة" كانت تمارس في دكاكين للحلاقين بالنسبة إلى خدمات الذكور، وعلى يد نساء زاولن التطبيب الشعبي الخاص بالإناث.
وبسبب الترويج الكثيف للحجامة، توسّع الإقبال عليه من شرائح اجتماعية كثيرة، وبينها رياضيون ونساء. ويخبر غسان عمري، الذي يدير مركزاً للعلاج الطبيعي والتأهيل الحركي، العربي الجديد" أن مركزه يوفر أيضاً خدمة الحجامة التي تلقى تدريباً طبياً خاصاً على ممارستها. ويقول: "هناك إقبال من الباحثين عن الشفاء من مشاكل تشمل ضغط الدم وأمراض المفاصل والضعف العام، وأنا أحرص بشدة على ممارستها في أفضل الظروف الصحية، وأهمها على صعيد تعقيم الأدوات الطبية المستعملة".
ويؤكد أن "الطلب على الحجامة لم يعد حكراً على الرجال أو الأشخاص المتقدمين في السن، بل أيضاً الشباب على غرار النساء والرياضيين. والحجامة نوعان، يسمى الأول الحجامة الرطبة التي تشهد إحداث جروح دقيقة توضع فوقها كؤوس زجاجية خاصة لاستخراج الدم عن طريق الضغط، والنوع الثاني هو الحجامة الجافة التي تعتمد طريقة الضغط بكؤوس دافئة من دون إحداث جروح. وفي الحالتين، يُشفط سطح الجلد داخل الكؤوس بعد إفراغها من الهواء لمدة خمس دقائق، ما يسمح بجمع الدم الذي يخرج إلى سطح الجلد. وتترك الحجامة آثاراً على الجسم تختلف سرعة اختفائها بمرور الوقت من شخص إلى آخر".
قديماً، مارس حلاقون الحجامة أو "التشليط" بحسب المصطلح العامي، في دكاكين، وشملت أساليبهم إحداث جروح على جبين طالبي العلاج أو خلف رؤوسهم، واستخدام كؤوس أو "مغايث" لشفط الدم، في أسلوب يعتقدون أنه يساعد في تخفيف ضغط الدم أو أوجاع الرأس الناتجة عن أمراض القلب والشرايين.
ويؤكد طبيب القلب وعضو نقابة الأطباء نزيه الزغل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تأثير الحجامة في خفض ضغط الدم، لكنه يصف هذه الممارسة بأنها "بربرية وخطرة بسبب تداعياتها على الصحة العامة"، ويحذر من توسع هذا النشاط بلا مراقبة. ويقول: "يُمارس علاج الحجامة في شكل عشوائي خارج التصنيفات القانونية للطب التي يحددها القرار الصادر عن وزارة الصحة، ويتعلق بالاختصاصات". يضيف: "تستند نقابة الأطباء حصرياً في تحديد الاختصاصات الطبية إلى قانون وزارة الصحة الصادر في مايو/ أيار 2015، وتعتبر أن كل ممارسة خارج القائمة الرسمية للوزارة غير قانونية حتى إذا حصلت على أيدي أطباء".
ويشير أيضاً إلى أن "الممارسة الطبية الوحيدة البديلة التي يعترف بها القانون هي الوخز بالإبر، بخلاف الحجامة أو الطب النبوي الذي يعطى صبغة دينية لجلب المرضى. والعلم والدراسات الطبية لا تذكر أي جدوى لهذه الممارسة التي يجب كبحها لأنها تهدد صحة المواطنين، وقد تتسبب بأمراض جرثومية خطرة، علماً أن الأطباء الذين يمارسون الحجامة يتحملون مسؤولياتهم الجزائية كاملة في حال تسببت ممارستها في مضاعفات".
ويطالب الزغل وزارة الصحة بتكثيف الرقابة على الممارسات الطبية غير المدرجة ضمن القانون الصادر في مايو/ أيار 2005 الذي يحدد قائمة الاختصاصات الطبية، فيما ينتقد صمتها إزاء توسع نشاط ممارسة الحجامة بشكل فوضوي، لا سيما أن النقابة لا تملك صفة رقابية لمنع هذا النشاط.
يذكر أن الاختصاصات الطبية في تونس تمارس وفق قرار أصدرته وزارة الصحة عام 2004، وجرى تنقيحه عام 2005، من خلال بنود هدفت إلى ضبط شروط وقواعد الاعتراف بالمواصفات الفنية للأطباء باعتبارهم متخصصين وأصحاب كفاءات مهنية عالية.
ويحدد القرار اختصاصات الطب والجراحة والبيولوجيا والمواد الأساسية والاختصاصات التقنية الفنية العسكرية. وتذكر قائمته الرسمية 26 اختصاصاً طبياً، من دون أن تشير إلى الحجامة كاختصاص أو كممارسة طبية قانونية.
في المقابل، يسمح قرار وزارة الصحة للأطباء العامين الذين لهم معرفة خاصة متثبتة بشهادات وخبرات الاقتدار بممارسة 17 اختصاصاً ملحقاً بالطب، بينها الوخز بالإبر والعلاج بالنباتات والمياه.