التهمت عشرات الحرائق الأخضر واليابس في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية في سورية. لكنّ مروحيات النظام التي تدخلت في إخماد حرائق سبتمبر/ أيلول الماضي غابت في الأيام الأخيرة، كما غابت طائرات روسيا، وهو ما يثير الشكوك بشأن أسباب الحرائق، وما إذا كانت مفتعلة، ولا نية لدى النظام لإخمادها أو التعامل بجدية معها.
في محافظة اللاذقية التهمت النيران المناطق الزراعية إلى جانب المساحات الحرجية التي أتت على مساحات واسعة منها، كما يكشف الصحافي حسام الجبلاوي لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ الحرائق المشتعلة في الوقت الحالي مختلفة عن الحرائق التي اندلعت في السابق كونها مترافقة مع رياح قوية وسريعة، وأكثر المناطق تضرراً بسبب هذه الحرائق قرى ريف جبلة الشرقي والقرى المحيطة بمدينة القرداحة ومنطقتي كسب وأم الطيور. ووصلت الحرائق إلى منازل المدنيين في الحفة ومستشفاها، كما إلى مستشفى القرداحة، ونقل مصابو كورونا منه إلى مستشفيات أخرى، كما نزح كثيرون من الحفة وجبلة والقرداحة.
مصدر محلي في ريف القرداحة يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ الأهالي طالبوا بفتح قنوات مياه الريّ للاعتماد عليها في إطفاء الحرائق التي وصلت إلى المنطقة، مع انتظارهم سيارات الإطفاء، إذ وصلت إلى المنطقة سيارتان فقط، وبدأت النار بالتراجع تدريجياً في المنطقة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. يضيف المصدر أنّ الجهات المختصة في النظام السوري لم تستجب لنداءات الأهالي المتكررة بضرورة التدخل في إخماد النيران المشتعلة، وتكررت النداءات على مدار 10 ساعات من دون أيّ رد فعل، ثم تدخلت مروحية واحدة فقط لإخماد النيران بريف القرداحة، وتدخلها لم يدم أكثر من 5 دقائق، ولم يسجل أي تدخل آخر للمروحيات التي تستخدم في إخماد الحرائق. ويؤكد المصدر أنّ تراجع النيران سمح للأهالي بالعودة إلى منازلهم في قرى القرداحة، الأحد، مشيراً إلى أنّ الذين عملوا على إطفاء هذه الحرائق هم الأهالي فقط من دون أيّ تدخل يذكر لفوج إطفاء المحافظة أو قوات جيش النظام التي يفترض أن تتدخل في حالات كهذه، كما يقول.
في المقابل، أكد مدير صحة اللاذقية هوزان مخلوف، الأحد الماضي، أنّ مستشفى الباسل في القرداحة عاد إلى الخدمة، وذلك بعد إعادة توصيل خط الطاقة الكهربائية إليه، بالإضافة لإعادة تغذية المستشفى بالمياه، عقب خروجه عن الخدمة بسبب الحرائق.
وكان وزير الزراعة في حكومة النظام محمد حسان قطنا قد صرح، الأحد، بأنّه تمّ إخماد كافة الحرائق التي نشبت منذ فجر يوم الجمعة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص. وبلغ عدد هذه الحرائق 156، منها 95 حريقاً في اللاذقية، و49 حريقاً في طرطوس، و12 حريقاً في حمص. وأخمد حريق موقع البلعة بحمص، صباح الأحد، وهو في طور المراقبة والتبريد.
يعتبر الأهالي أنّ الكارثة التي حلت بهم يصعب انتشالهم منها، مع احتراق أشجار الزيتون والرمان وتلف المواسم لهذا العام، وانتقدوا الصور التي نشرت لمسؤولين في النظام وجيشه وهم يتدخلون لإخماد النيران بالمعاول وغيرها.
بلغ عدد الحرائق 156، منها 95 في اللاذقية، و49 في طرطوس، و12 في حمص
وتقول نهى محمد إنّ هؤلاء المسؤولين لا فرق بينهم وبين النار التي أحرقت كلّ شيء في طريقها، فلا يهمهم أبداً حجم الكارثة ولا يهمهم مساعدة الأهالي أو الوقوف إلى جانبهم، مثلهم مثل وزراء النظام وبقية مسؤوليه، فيما الفقراء هم الضحايا الذي لا يكترث لهم أحد. بدوره، يقول محمود العبد الله، وهو أحد أبناء منطقة الحفة، لـ"العربي الجديد": "التهمت الحرائق كلّ ما لدينا من أشجار، وقتلت كثيراً من الحيوانات في منطقة الحفة، ولم تكن هناك ردة فعل تذكر من قبل النظام وجيشه، بل تركونا نواجه مصيرنا، ونكافح النيران بما لدينا من إمكانات ضعيفة. هم يريدون أن تحترق أرضنا وأشجارنا ويبررون دائماً أنّ الحصار هو سبب تقاعسهم عن التعامل مع هذه الحرائق". يتابع العبد الله: "الحرائق السابقة أتت على أهم محمية في ريف اللاذقية وهي محمية الشوح والأرز، واليوم دمرت أرزاقنا - نحن الفلاحين - وأحرقت زيتوننا وكلّ زرعنا. اللون الأسود يغطي الأراضي والتلال، ورائحة الخشب المحترق هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن تشمه في المنطقة".
في محافظة طرطوس، اندلعت الحرائق في مناطق مختلفة، وأكبرها كان في الدريكيش بقرى مشتى الحلو وحسبو. ووصلت النيران إلى الأماكن المزروعة بالأشجار المثمرة في قرى دير حباش وبسماقة وحفة وعاشقة، وذلك بحسب تصريحات لقائد فوج الإطفاء في محافظة طرطوس سمير شما.
من جهته، لا يستغرب أبو علاء (55 عاماً)، طريقة تعاطي النظام السوري مع هذه الحرائق، إذ يشير إلى أنّ المواطن الذي يبقى ليومين أو أكثر في الطابور للحصول على خمسة ليترات من البنزين، لا أحد يبالي به أو بأرضه التي احترقت. يتابع أبو علاء حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنّ "النظام يسخر من الأهالي، فهو يرسل قواته لإخماد النيران بأغصان الأشجار والمعاول، فيما مسؤولوه يلتقطون الصور وهم يشاركون في إخماد النيران كأنّهم يشاركون في حفل أو استعراض، كما ظهر منيف حرب، مدير منطقة بانياس، عند مشاركته في إخماد الحرائق، ببدلة عسكرية جديدة يحمل بيده غصناً أخضر يحاول إخماد النيران. إنّها مهزلة حقيقية وسخرية من ألم المواطن وأوجاعه ومحاولة لإذلاله".
وفي تقرير بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنّ النظام السوري غير مُكترث بتخصيص موارد مادية أو بشرية في الحفاظ على ثروة سورية الطبيعية، بعدما دمّر أحياءً بأكملها وشرّد مُدناً من سكانها بالكامل. وقالت الشبكة في تقريرها: "تسببت لامبالاة النظام السوري بتوسع انتشار الحرائق بشكلٍ مُخيف، وبمقتل شخصين متأثرين بحروقٍ أصيبا بها، وبإصابة أكثر من 20 آخرين بحالات اختناق، ونزوح عشرات آلاف المدنيين من منازلهم، بالإضافة إلى احتراق مرافق حيوية عدة، كما تم إخلاء مستشفى القرداحة الوطني من جراء اقتراب النيران منه، وفق تصريحات مصادر رسمية تابعة للنظام السوري". وفي ختام التقرير، أكدت الشبكة أنّها لم تتمكن من معرفة سبب اندلاع الحرائق حتى الآن فيما "تأتي هذه الخسارة لتُضاف إلى الكوارث البشرية والاقتصادية والاجتماعية التي تسبّب بها بقاء هذا النظام وتمسّكه بالسّلطة على حساب الدولة والطبيعة والمجتمع، مهما كان الثمن".