الحمامات العثمانية... كلمة سر سياحة تركيا الشتوية

12 ديسمبر 2024
توجد عشرات الحمامات الفريدة والتاريخية في تركيا، 10 يونيو 2020 (أونور كوبان/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حمام مهرماه سلطان في إسطنبول: يُعد وجهة سياحية بارزة بفضل تصميمه المعماري الفريد من إبداع المهندس معمر سنان، ويستقبل النساء في الصباح والرجال في العصر والمساء، مما يجعله معلماً تاريخياً مهماً.

- تاريخ الحمامات العثمانية: نشأت في القرن الثاني عشر وازدهرت في العهد العثماني، حيث بُني أول حمام في إسطنبول في عهد السلطان محمد الفاتح، وبلغ عددها 168 حماماً في القرن السابع عشر.

- الحمامات المعدنية والسياحة العلاجية في تركيا: تشتهر تركيا بوجود 1500 ينبوع معدني طبيعي، مما يجعلها وجهة رئيسية للسياحة العلاجية، مع ينابيع بارزة مثل صاندقلي وأويلات وكاراهايت.

يسأل سياح في تركيا ينتمون إلى دول عدة وشرائح عمرية مختلفة عن حمام مهرماه سلطان في منطقة ايدرنا كابيه بحي الفاتح في إسطنبول، وكأنه محجاً مثل كنيسة تشورا التي تحوّلت هذا العام إلى جامع مثل جامع آيا صوفيا. وتشبه تشورا كنيسة آيا صوفيا في التاريخ والتحوّل، كما يقول الخبير السياحي سردار دونميز لـ"العربي الجديد".
ويملك حمام مهرماه سلطان ميزات جذب تزيد إقبال السياح عليه. وهي لا تقتصر على تضمنه مسبحاً خارجياً، أو استقباله النساء صباحاً والرجال في العصر والمساء، إذ صمّمه وبناه المهندس الشهير معمر سنان، لتكريم ابنة السلطان سليمان القانوني مهرماه، وحرص على أن يكون تحفة معمارية بتصميم هندسي وزخارف جعلته معلماً سياحياً وتاريخياً، فضلاً عن دوره بكونه حماماً.

يقول دونميز: "الحمام الذي بناه سنان، كما بنى غيره مثل حمام كيليتش علي باشا، هدف إلى تسويق النهج الثقافي العثماني الذي يوجد أيضاً في هندسة الجوامع التي يزيد عددها عن 80 ألفاً، أكثر من 3500 منها في إسطنبول، في حين يناهز عدد الحمامات العثمانية 14 ألفاً، بعضها رومانية، أعيد تأهيلها خلال الدولة العثمانية. 
وعموماً ليست كل الحمامات للعامة، بل معظمها مخصص للسلاطين والأمراء والحاشية، وبعضها للنساء، أما حمام مهرماه فيستقبل النساء والرجال".
وتتشابه معظم الحمامات العثمانية في تركيا على صعيد التصميم، لكن بعضها تتفرد بمواقعها وفترات بنائها، ومنها تشيمبيرليتاس الذي يقع قرب السوق المسقوف في إسطنبول، ويعتبر من أقدم حمامات تركيا، بعدما شيّد خلال فترة حكم السلطان سليم الثاني في القرن السادس عشر، ويتميز بفن عمارته الرفيع، ويعتبر موقع زيارة مهماً لمحبي الفنون المعمارية.
وظهر فن عمارة الحمامات في القرن الثاني عشر، بعدما فتح السلاجقة الأناضول، وأصبحت في عهد الدولة العثمانية من أهم سمات البناء. وهي بنيت في مبان دينية وتجارية لتلبية احتياجات الشعب.
وتعاظم الاهتمام بالحمامات بعدما بنى أورهان بك أولها في مدينة بورصة التي اعتبرت العاصمة الأولى للدولة العثمانية عام 1362. وشيّد المعمار سنان أول حمام للعامة، وهو تشمبرلي تاش، عام 1584 بأمر من السلطانة نور بانو، وهي والدة السلطان مراد الثالث، ثم تكاثرت بعد ربطها بالجوامع والأعمال الخيرية التي أشرف عليها السلاطين وزوجاتهم، نظراً لعدم وجود حمامات في المنازل.
وتنتشر الحمامات في كل الولايات التركية، لكن الأشهر والأكثر عدداً توجد في مدينتي إسطنبول وبورصة. وتتغنى بورصة بحمامين، بنى أولهما الإمبراطور الروماني ثيادور عام 525، والثاني حمام السلطان سليمان القانوني الذي يشتهر بمياهه الكبريتية، أما إسطنبول فتتفاخر بعشرات الحمامات الفريدة ومئات تتوزع على الأحياء، وبُني أول حمام عثماني في مدينة إسطنبول في عهد السلطان محمد الفاتح في قصر الباب العالي، وتوالى إنشاء هذه الحمامات حتى وصلت إلى 168 في إسطنبول وحدها خلال القرن السابع عشر.
ومن حمامات إسطنبول الشهيرة غلاطة سراي التاريخي الذي بُني عام 1481 على يد السلطان بايزيد الثاني، وافتتح في مرحلة أولى للسلاطين والأمراء والنساء، ثم تحوّل إلى حمام عمومي، وهو يُعّد اليوم أحد أقدم الحمامات الباقية، وأيضاً حمام جاغال أوغلو الذي شُيد في عهد السلطان محمود الأول، ويُعد الأكبر للرجال والنساء في إسطنبول، وحمام السليمانية الذي بناه سنان بأمر من سليمان القانوني عام 1557، ويُعد أجمل حمامات إسطنبول، وتتزين جدرانه بزخارف ونقوش، وحمام جينيلي الذي شيّد بأمر من السلطانة العثمانية كوسام عام 1640، وهو الوحيد الذي يحتوي صوراً جدارية لبعض السلاطين العثمانيين، ويضم الحمام قسمين للرجال وللنساء، يستقبلان الزوار طوال أيام الأسبوع. وهو يقع في منطقة أوسكودار بالقسم الآسيوي من إسطنبول. ومن الحمامات الشهيرة أيضاً جيديك باشا، وعلي باشا، وجمبرلي طاش.
وتتشابه طقوس دخول الحمامات في تركيا، إذ يستقبل عاملون الزائر على الباب، ويوصلونه إلى غرفة خاصة، ويعطونه مئزراً خاصاً وقبقاباً. وبعد ارتداء ملابس الحمام يخرج الزائر إلى الساحة الرئيسية، حيث ينتظره متخصص يأخذه إلى سرير رخامي، حيث يستلقي عشرين دقيقة على الأقل حتى يتعرق الجسم ويصبح الجلد كي يصبح جاهزاً للتدليك والفرك. وبعد ذلك يذهب الزائر إلى حوض خاص كي يأخذ حماماً دافئاً، ثم يخضع لجلسة مساج، قبل أن يختار النشاط الذي يرغب في ممارسته، مثل أخذ حمام، أو السباحة، أو الجلوس في "الوسطاني"، لتناول مشروبات ساخنة أو الطعام.

يقصد سياح من أنحاء العالم الحمامات التركية (Getty)
يقصد سياح من أنحاء العالم الحمامات التركية، 23 مارس 2018 (Getty)

وانتشرت في تركيا الحمامات المعدنية التي شيّدت قرب مصادر طبيعية للمياه الساخنة، معدنية أو كبريتية، حتى غدت البلاد، بسبب كثرة الحمامات ومنابع المياه المعدنية، في مقدمة الدول التي يقصدها السياح من أنحاء العالم للعلاج بالحمامات المعدنية.
وتتميز مياه هذه الينابيع الدافئة بارتفاع نسب العناصر المعدنية ومادة الكبريت، ما يؤدي إلى شفاء كثير من الأمراض، لا سيما تلك الجلدية أو التي تصيب العظام. 
وأولت الحكومة التركية الحمامات المعدنية عناية كبيرة، باعتبارها قبلة السياحة العلاجية، وأنشأت 264 مركزاً للعلاج بالحمامات المعدنية ذات المياه الدافئة، وهي تتوزع على 40 ولاية، كما أنشأت 8 مراكز للعلاج بمياه البحر في 3 ولايات، و8 مراكز للعلاج بالمياه الطينية في 5 ولايات. وتضم ولايات أنقرة وبورصة وأفيون أكبر عدد من مراكز الحمامات المعدنية في تركيا.
ويبلغ عدد الينابيع المعدنية الطبيعية في تركيا 1500، ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى على مستوى أوروبا، أما على مستوى المنشآت التي تعتمد على المياه المعدنية فتأتي إيطاليا في المرتبة الأولى بـ300 منشأة، ثم ألمانيا (260)، وتركيا (240).
ومن أهم ينابيع المياه المعدنية بتركيا التي استثمرت في إنشاء حمامات، وتجذب السياح والمرضى خلال فصل الشتاء تلك في صاندقلي التابعة لولاية أفيون التي تشتهر بمياهها العلاجية التي يُقال إنها تعيد النضارة والجمال إلى الجسم، بسبب ارتفاع نسبة مادة الكبريت فيها. وتشتهر ينابيع أويلات في ولاية بورصة، والتي يسود اعتقاد عجيب عن مياهها الباردة والحارة معاً، إذ يُقال إنها تشفي فاقدي الأمل في الحياة.
 وتوجد ينابيع ديادين في ولاية آغري، وتتميز بمياهها الحارة في الجو البارد الثلجي التي تعالج أمراضاً عدة، أهمها التهاب الأعصاب، ما يعني أنها مركز صحي للعلاج الروحي والنفسي، علماً أن مياهها تتضمن نسباً عالية من المواد المعدنية المفيدة. 
وتتميز ينابيع كاراهايت في مدينة باموك، قلعة بولاية دنيزلي، بلونها الأحمر، نتيجة ارتفاع نسب مادة الحديد التي تخرج من ثنايا الصخور، وتساعد مياهها الطينية في علاج أمراض كثيرة، وتحسين الجلد والبشرة. أما ينابيع توزلا في إسطنبول فتتميّز مياهها بارتفاع نسب مادة الصوديوم، ما يجعلها وجهة مهمة لمرضى الربو. ويأتي الناس لزيارتها من إسطنبول والمدن المجاورة، بهدف الاستشفاء والاستجمام بمياهها المعدنية التي تنتشر على مساحة واسعة، وتتسم منطقتها بوجود فنادق ومنتجعات بأسعار مناسبة.

ومن الينابيع أيضاً كزلجا حمام التي تبعد 80 كيلومتراً من العاصمة أنقرة، وتشتهر بمياهها الكبريتية الحارّة، ويتوفر فيها منتجع كبير يضم أحواض سباحة عادية وأخرى كبريتية، وتقدم جلسات للمساج الطبيعي. وتتميز مياهها بأنها قابلة للشرب وتفيد في إراحة المعدة من الاضطرابات الهضمية، وتساعد في تحسين عملية الهضم. أما ينابيع كاراجاسو في قرية كاراجاسو بمدينة بولو فتقع بين جبال وغابات منطقة البحر الأسود، وتتميز مياهها بخاصية شفاء مذهلة من الأمراض الجلدية، بسبب احتوائها على نسب عالية من المواد المعدنية المفيدة.
وإذ يقول المثل "دخول الحمام ليس كخروجه" يمرّ الزائر إلى غرفة الوداع المخصصة للانتظار بين 10 دقائق و15 دقيقة، ويشرب الشاي والقهوة، ما يسمح بأن يبرد جسمه، ويتأقلم مع درجة الحرارة الخارجية بعد أجواء الحمام الساخنة. وهو يدفع المعلوم مع "بقشيش" لمن كيّس وفرّك واستقبل وودع.

المساهمون