تحرّكت اللوبيات الداعمة لإسرائيل في الدنمارك للتحريض على الجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات للفلسطينيين وأهالي غزة بتهمة دعم الإرهاب، في محاولة لتغيير موقف الرأي العام الداعم للفلسطينيين.
خلال الفترة الأخيرة، تشهد الدنمارك حملة تستهدف العمل الخيري الفلسطيني لدعم غزة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. حملةٌ ليست معزولة عن مثيلاتها في هولندا وألمانيا والنمسا وغيرها من الدول. ويبدو أنّ مؤيدي الاحتلال الإسرائيلي في الدنمارك من اللوبيات التي تضم برلمانيين من معسكر اليمين المتشدد، لم يستطيعوا استقطاب الشارع المؤيد للفلسطينيين بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الحرب العدوانية على غزة، فأطلقوا حملة تستهدف، من بين مؤسسات أخرى تعمل في مشاريع خيرية في فلسطين ومخيمات اللجوء، الهلال الخيري الدنماركي على اعتبار أن هذه المؤسسة "تجمع الملايين لتقديم المساعدات الطارئة للمسلمين، ويبدو أن تلك الأموال حُوّلت إلى منظمات مرتبطة بحركة حماس الإرهابية"، كما ورد في تقرير صحافي نشره صحافيان في صحيفة "إنفورماسيون" الأسبوع الماضي.
وركز التقرير على "صور أطفال يحملون بنادق خشبية في مدارس دار الأرقم في غزة عام 2014"، باعتبارها دليلاً على "دعم الإرهاب". التقرير الذي صاغه الصحافيان يستهدف على وجه الخصوص الهلال الخيري الدنماركي. إلا أن رئيس الهلال الخيري الدنماركي محمد قيس يرفض هذه الاتهامات، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "المؤسسة تخضع للقوانين والرقابة والضرائب الدنماركية، وحساباتها متاحة أمام الجميع"، مؤكداً على "شفافية عملها منذ نحو 20 عاماً". ولم تثر قبل الآن مثل هذه الضجة والحملة التي تبدو منسقة، بحسب الناشط الفلسطيني حسين برناوي، المتابع لمساعي اللوبيات لتشويه سمعة الفلسطينيين.
إسرائيل ليست بعيدة عن وصم كل عمل داعم لفلسطين باعتباره معادياً للسامية
وشارك في الحملة جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركي (بيت)، وخبراء في مجال مكافحة الإرهاب، لتبدو وكأنها حملة تعكس سخطاً جراء تغير الرأي العام الدنماركي حاله حال الرأي العام في أوروبا، والمطالبة بوقف الحرب ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، بحسب برناوي.
ويؤكد قيس أن ما تقوم به المؤسسة "عمل خيري، ويشمل الكثير من البقع الجغرافية، حيث يوجد أناس في حاجة إلى دعم، بما في ذلك في آسيا وأفريقيا. نساعد جميع المحتاجين من دون أن يكون الأمر مرتبطاً بكونهم مسلمين". ودعم الهلال على مدار سنوات مشاريع تتعلق بتأمين مياه الشرب ودعم العيادات الطبية والمدارس والإغاثة سواء في غزة أو مخيمات لبنان وسورية.
التقرير الصحافي الذي ربط عمل الهلال الخيري بـ"دعم الإرهاب" استند إلى آراء خبراء في لندن، أشاروا إلى سيطرة حماس على مقاليد السلطة في غزة. ومع أن معدي التقرير تحدثوا عن أن "الجمعية وشركاءها في منظمات خيرية أخرى في الدنمارك قدموا مساعدات طارئة لضحايا الزلزال في المغرب والنازحين في اليمن واللاجئين الروهينغا"، لكنهم أشاروا إلى أنها "تركز عملها بشكل أساسي على المناطق الفلسطينية ومخيمات اللاجئين". أضاف التقرير أنه "بنظرة متفحصة إلى مشاريعها، بدت روابطها بحركة حماس واضحة، والحركة مدرجة على قوائم الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".
وتحدث التقرير بصورة واضحة عن دعم المؤسسة بشكل غير مباشر لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول (طوفان الأقصى)، استناداً إلى رأي الباحث في مجال الإرهاب في جامعة "كينغز كولديج" في لندن توري هامينغ، الذي أكد أن "هؤلاء الأشخاص يقدمون الدعم المالي لحماس أو الأنشطة المرتبطة بها". كما استند التقرير إلى صور من زاروا غزة من الدنمارك والتقوا مع بعض المسؤولين الحكوميين (سلطة حماس). كما أن معدي التقرير المنشور في صحيفة "إنفورماسيون"، المعروفة بكونها أكثر توازناً بالمقارنة مع بقية صحف كوبنهاغن، ربطوا بين توقيف بعض الشخصيات في هولندا وألمانيا والدنمارك، بحجة أنهم "داعمون لحماس"، وعلاقة أحدهم بشخصية في المؤسسة الخيرية. أضاف الصحافيان: "مع ذلك، لا يمكننا وصف هذا الجزء من القصة بالتفصيل بسبب حظر نشر اسم المعتقل في الدنمارك".
وبحسب تقارير صحافية، فإن من جرى توقيفهم، وخصوصاً في هولندا، كانت تل أبيب تحرض عليهم وتطالب باعتقالهم، وقد شارك بعضهم في حملات كسر الحصار على غزة ومراكب قوافل العودة، وخصوصاً الفلسطيني الهولندي أمين أبو راشد الموقوف منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي في أمستردام.
ومن الجدير ذكره أنه خلال الأسابيع التي تلت السابع من أكتوبر الماضي، فتحت تل أبيب النار، وبشكل واسع، على منظمات التضامن والإغاثة الفلسطينية بحجة أنها قنوات "لتمويل حماس". وأشار التقرير إلى أن "إسرائيل لم تقدم أي وثائق لإثبات ذلك، كما أن القضايا الجنائية القليلة نسبياً (تلك التي اتهمت فيها مؤسسات خيرية بدعم حماس بسبب دعم مشاريع لسكان غزة) التي تم رفعها في أوروبا سقطت". وسرعان ما اكتشفت المحاكم أن التمويل ليس للحركة بل للبنى التحتية التي يحتاجها السكان، بما فيها الصحة والتعليم وغيرهما.
وأصر تقرير الصحافيين على أن "هناك قضية جديدة في بلد مجاور للدنمارك هو ألمانيا"، مشيراً إلى أنه "حتى في الدنمارك، جرت محاولات لضرب جمعية خيرية أخرى قبل نحو 15 سنة، وهي جمعية الأقصى في كوبنهاغن، لكن جرت تبرئتها من تهمة تمويل الإرهاب".
وتعليقاً على الحملة، يقول جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركي (بيت)، إنه "قد يكون من الصعب عموماً توثيق، وبالتالي إثبات، الآثار المالية عبر/أو إلى مناطق بعيدة عن الدنمارك، تماماً كما قد يكون من الصعب إثبات نية تمويل الإرهاب في ما يتعلق بقضية جنائية"، كما يشير إلى صعوبة تتبع الأموال النقدية.
ويرد قيس على الحملة الجارية بالقول: "عملنا في الدنمارك يرقى إلى مستوى إطار القانون، ونعتزم أيضاً الالتزام بالقانون حيث نساعد المحتاجين"، ويشدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن المعاملات المالية "تخضع لشفافية كبيرة، وسلطة الضرائب تعرف كل ما نتلقاه ونصرفه، وغالبية مشاريعنا تتم من خلال التعاملات المصرفية الواضحة".
وتعرض الحملة صور أطفال يرتدون لباساً عسكرياً بعد العدوان عام 2014، للتأكيد على أن "المدارس التي تدعمها الجمعيات الخيرية تدرب الأطفال على أعمال عسكرية". ورداً على تلك المزاعم المتعلقة بدعم مؤسسته تدريب الأطفال عسكرياً، يقول: "هدفنا، من بين أمور أخرى، دعم الأطفال المحتاجين واليتامى، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعليم. وإذا تبين أن الأطفال يتلقون تدريباً عسكرياً محدداً، يجب علينا بالطبع أن نفكر بقوة في استمرارية دعمنا".
وتركز الحملة الإعلامية وحملات المؤسسات الصهيونية المؤيدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في عموم الدول الإسكندنافية على قدرة المؤسسات الخيرية على جمع تبرعات تذهب بالفعل، كما تعترف الصحف من خلال ما تنشره المؤسسات على مواقعها، لدعم البنى التحتية المدنية.
والحملة المستمرة لضرب مصداقية الجمعيات الخيرية الداعمة لمشاريع إنسانية في غزة، يبدو أنها تأتي في سياق "استهداف كل ما يخص دعم فلسطين، بعدما لاحظ الاحتلال التحول الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في الشوارع الأوروبية"، بحسب برناوي، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "تل أبيب ليست بعيدة عن وصم كل عمل داعم لفلسطين باعتباره معادياً للسامية وداعماً للإرهاب، وهذا تعبير عن سقوط السردية الصهيونية بعد جرائم الحرب والإبادة في غزة، واستهداف المستشفيات بصورة خاصة والبنى التحتية المدنية، وهو ما ساهم في تحول الرأي العام".
واللافت في هذه الحملة ادعاء خبراء في مكافحة الإرهاب أن دعم مدارس تضم 3 آلاف تلميذ، أكثر من ألف منهم من الأيتام، وهو ما يقوم به الهلال الخيري في 5 مدارس في قطاع غزة، هو "دعم للإرهاب". بل إن بعض هؤلاء الخبراء لم يترددوا في اعتبار مشروع خيري مثل تأمين مياه الشرب النظيفة (وهو مشروع ينفذه الهلال الخيري بصورة دائمة في غزة) مشكلة. "صحيح أن مياه الشرب النظيفة ليس لها غرض عسكري، لكن عند التعامل مع جماعات إرهابية، عليك التأكد من أن الدعم لا يذهب إلى الأنشطة التي تدعم الجماعة، وهو ما يحدث في هذه الحالة"، يقول توري هامينغ تعقيباً على الحملة المتواصلة بحق الهلال الخيري الدنماركي.
في المجمل، تبين الحملة ما يشبه "المحاولة لتخويف الفلسطينيين والمتضامنين من استمرار دعم المشاريع الإنسانية في غزة بحجة دعم الإرهاب"، كما يؤكد برناوي. يضيف: "إذا كانت حماس بنظرهم منظمة إرهابية، فإن ذلك يشكل مشكلة لهم. فالحركة هي التي تملك السلطة في غزة، ولا ينظر إليها عربياً وفلسطينياً كما هو الحال في الدنمارك وأوروبا. بالتالي، كصاحب مشروع إنساني لا يمكنك تجاهل ما هو قائم على الأرض". ويختم حديثه قائلاً: "ألم يذهب الأوروبيون بعد 7 أكتوبر إلى ما يشبه قراراً بوقف تمويل السلطة في رام الله؟ فهل سلطة محمود عباس أيضاً مصنفة إرهابية؟ كل ذلك يؤشر إلى مسعى اللوبيات الصهيونية التي تفشل مع كل جريمة ترتكبها في الحفاظ على سرديتها واستعادة شيء مما فقدته في الشوارع الأوروبية".