يثير اعتماد الحكومة العراقية على الدوائر "الكرفانية"، التي استحدثت في السنوات الأخيرة، والتي تكتظ يومياً بمئات المراجعين لإنجاز معاملاتهم، مخاوف المواطنين من اشتعال الحرائق بها، وسط مطالبات بتوفير أماكن آمنة لمؤسسات الدولة وعدم تجاهل أي خطوة بهذا الاتجاه.
وخلال السنوات الأخيرة، اعتمد العراق على تشييد الكثير من المباني الحكومية من خلال الغرف الجاهزة أو ما تعرف محلياً بـ"الكرفانات"، خاصة المدارس ومستشفيات عزل كورونا، ودوائر المرور والأحوال المدنية، كأحد تأثيرات الأزمة المالية في البلاد، والتخفيف من الزخم في تلك الدوائر.
وسجلت البلاد خلال تلك السنوات حرائق كبيرة في تلك المؤسسات، أودت بحياة عشرات المواطنين، وتسببت بحالات تشويه وإعاقات للعشرات أيضا، فيما تستمر الحكومة باعتماد تلك المباني غير المؤهلة، على الرغم من المناشدات الكثيرة ببنائها بمواد البناء غير القابلة للاحتراق.
وأحصت مديرية الدفاع المدني في العراق 13600 حريق سجّل في البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري، 2022، مؤكدة أنها تبذل جهودا للسيطرة على الحرائق ومنع حصولها.
ووفقا لمسؤول رفيع في مديرية الدفاع المدني، فإن "استمرار العمل بالمباني الكرفانية لمؤسسات الدولة خطير للغاية، وقد أبلغنا الجهات المسؤولة بضرورة الاستغناء عنها، إلا أن العمل فيها ما زال مستمرا"، وبين المسؤول في حديث لـ"العربي الجديد"، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن "الإجراءات الوقائية التي يتم اتخاذها في الدوائر والمباني الحكومية المشيدة من السندويتش بنل تعد غير مجدية، لأن البناء قابل للاحتراق وبشكل سريع".
وأضاف أن مديريته أشارت لتلك المخاطر، "والتي تزايدت مع موسم الصيف، ووسط أعداد كبيرة من المراجعين، الذين تتعرض حياتهم للخطر"، مؤكدا أنه "مما يزيد المخاطر، طريقة تشييد تلك المباني الكرفانية أيضا، فهي ليست بالمستوى المطلوب فنيا، إذ إن الأسلاك الكهربائية على تماس مباشر بها، وهذا هو الخطر، فضلا عن أن مساحات البناء كبيرة وعميقة مع عدم وجود أبواب متعددة للخروج منها، وهذا أمر خطير يتطلب أخذه بنظر الاعتبار".
وحمل الحكومة "مسؤولية ذلك، وأن تتخذ خطوات عملية لإنهاء هذه المخاطر التي تحيط بالعراقيين".
ومع بداية موسم الصيف الحالي، أعلنت عدة دوائر لوزارة الصحة العراقية، ومنها دائرة صحة الرصافة في بغداد ودائرة صحة ذي قار وغيرها، عن منع العمل بالمستشفيات الكرفانية تجنبا لاحتراقها مع ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن العمل بتلك المستشفيات ما زال مستمرا في عدد من دوائر الوزارة.
ماذا يحدث في #العراق، ولماذا يتم غلق العيون عن الحقيقة، لما لا يوجد أي دعم وتحرك واعمار وتبرع لمستشفيات #الموصل، لما هذا التخاذل والتقصد بتدمير المدينة
— محمود النجار | Mahmoud Al-Najjar (@Mahmood_Najar) September 19, 2020
هل يعقل أن تتحول المستشفيات إلى كرافانات لا تصلح إلا للموت البطيء
أرجو من المخلصين أن يتفاعلوا وينشروا
#مستشفيات_الموصل_كرفانيه pic.twitter.com/PpbEpQzOOZ
المخاوف من احتراق تلك المباني لا يهدد حياة مراجعيها فقط، بل إن الموظفين فيها طالبوا بتوفير مبان صحية لعملهم غير سريعة الاحتراق، وقالت هالة الربيعي، وهي موظفة في إحدى دوائر الجنسية والأحوال المدنية في بغداد، إن "الخوف يلاحقنا بسبب المباني التي نعمل فيها، فهي سريعة الاحتراق، ولا أمان لنا فيها".
وأضافت متحدثة لـ"العربي الجديد": "من غير الممكن أن نواصل عملنا في مبان كهذه. هناك استغلال لحاجة الموظف للمرتب وحاجة المواطن لأن ينجز معاملاته، وذلك دفع الحكومة للاعتماد على المباني الكرفانية"، مشيرة إلى أن "الحكومة لا تفكر بتغيير تلك المباني، على الرغم من أن وضع البلد المالي جيد، وتجاوزنا الأزمة المالية، فلماذا لا يوجد حرص على حياتنا؟".
وشددت على أن "أي حريق في دائرتنا سيوقع عشرات الضحايا، فأعداد المراجعين يوميا بالمئات، بينهم أطفال وشيوخ ونساء"، مؤكدة أن الموظفين يعملون "بأجواء خطيرة جدا".
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ينتقد ناشطون ومدونون استمرار الاعتماد على المباني الكرفانية. ونشرت منى سامي صورة لمدرسة كرفانية، وقالت: "مدرسة أبو أيوب الأنصاري في النهروان (في بغداد)، تأسست سنة 1980، كانت بناية شامخة، بعد 2003 تم ترميمها مرتين، الأولى كلفت 100 مليون دينار عراقي، والثانية 300 مليون دينار (الدولار يعادل 1470 دينارا)، تم هدمها في عام 2009، اليوم كل الصفوف كرفانية، تحوي 585 طالبا".
وفي العام الماضي، سجل العراق نحو 26 ألف حريق، أغلبها سجلت بمبان كرفانية، أودت بحياة ما لا يقل عن 400 شخص، فضلا عن إصابة المئات، وطاولت مستشفيات ومباني ومخازن تجارية ومجمعات سكنية.