يربط باحثون عراقيون بين تفشي ظاهرة الزواج المبكر وبين تزايد أزمات المناطق الشعبية والريفية التي تسكنها عوائل ذات دخل محدود، ما يستدعي سكن المتزوجين الجدد مع أهاليهم، ويزيد من أعباء الأسرة وكذا الأعباء البيئية.
رغم حملات التوعية التي تتولاها السلطات العراقية خلال السنوات الأخيرة، تتزايد ظاهرة الزواج المبكر، خاصة في المناطق الريفية، مُخلّفة العديد من المشكلات والأزمات المجتمعية، تبدأ من ارتفاع معدلات الطلاق والعنف الأسري، إلى زيادة الوفيات أثناء الولادة أو خلال الحمل، وصولاً إلى أزمات السكن.
يقول مسؤول بوزارة التخطيط العراقية لـ"العربي الجديد" إن "ظاهرة تزويج الفتيات قبل بلوغهن 16 سنة تتواصل بارتفاع مضطرد، وهناك تزويج للصبيان أيضاً، وكثيرون منهم لا يدركون معنى الزواج وتكوين الأسرة، والحكومة بصدد إطلاق حملة جديدة للتوعية بمخاطر تلك الظاهرة".
ويؤكد الباحث الاجتماعي مصطفى الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن كثير ممن يناقشون ظاهرة الزواج المبكر يتجاهلون الجانب البيئي في الموضوع الذي يعتبرونه من بين الحقوق الفردية أو التقاليد الاجتماعية، ما يؤدي إلى إيذاء كثير من الأفراد والجماعات، ويضيف: "الزواج المبكر في المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان يمكن أن يترتب عليه مخاطر عديدة تؤثر على البيئة وعلى مشروعات التنمية المستدامة، والأزواج صغار السن عادة ما يعيشون حياة زوجية أطول، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الإنجاب، ويتسبب بالتالي في زيادة أعداد السكان، وهذه الزيادة تعني زيادة الطلب على الخدمات، خاصة في المناطق التي تعاني أساساً من تردي الخدمات، خصوصاً الصرف الصحي والتخلص الآمن من النفايات، فضلاً عن زيادة أعداد المحال والورش المهنية لتوفير الدخل".
يضيف الشمري: "قد يتسبب الزواج المبكر أيضاً في توقف تعليم الفتيات، أو يقلل من فرصهن في التحصيل العلمي، والمشاركة في القوى العاملة؛ فالتعليم الجيد يسهم في توجيه المجتمع نحو ممارسات أكثر استدامة، والأفراد الذين يتزوجون مبكراً قد يواجهون صعوبة في الحصول على فرص عمل مناسبة ومستدامة، كما أن فقدان الدخل المستدام يمكن أن يزيد من الضغط على الموارد البيئية أثناء محاولة تأمين سبل العيش".
يتابع: "قد يعرض الزواج المبكر الزوجين وأسرتيهما لخطر الفقر، ويمكن أن يؤدي الفقر إلى استنزاف الموارد البيئية لتلبية احتياجات الحياة الأساسية، فتنشط أعمال بسيطة تؤثر على البيئة، مثل بسطات وعربات الطعام والمشروبات الجائلة، أو العمل في مهن مثل جمع المواد التالفة، أو في مكبات النفايات وغيرها من الأعمال التي تتسبب في ضرر بيئي وصحي".
وتعد مدينة الصدر، الواقعة شرقي العاصمة بغداد، واحدة من المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان في البلاد، إن لم تكن الأكثر اكتظاظاً، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة من مجموع 9 ملايين نسمة في العاصمة. ويعيش غالبية السكان في بيوت صغيرة المساحة بمتوسط 7 أشخاص للعائلة، ويعملون في شتى الحرف والمهن، لكن أغلبها مهن شاقة، وأجورها قليلة، والنسبة الأكبر منها ينتج عنه أضرار صحية وبيئية.
يقول مرتضى نعيم (26 سنة) من مدينة الصدر، إنه تزوج حين كان عمره 18 سنة من ابنة عمه التي تصغره بعام واحد، وإنه أنجب خمسة أطفال، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنه يسكن في بيت والده، وتبلغ مساحة البيت 80 متراً، وهو مكون من طابقين، وفيه خمس غرف صغيرة، وعدد سكان البيت 17 فرداً، هم عائلته وعائلتي اثنين من إخوانه المتزوجين، بالإضافة إلى والده ووالدته.
يضيف نعيم: "اعمل مع إخوتي في ورشة صغيرة لإصلاح مولدات الكهرباء داخل الحي، وعملي يتسبب بأضرار بيئية وصحية كونه يخلف مواداً ضارة كونه مُقام في مكان غير مخصص للمهن صناعية، لكن حالنا ضعيف، وليس لدينا إمكانية إنشاء ورشة في حي صناعي".
وتسعى الجهات الحكومية ومنظمات مدنية إلى وضع حد لظاهرة الزواج المبكر لما لها من آثار سلبية، لكن طبيعة المجتمع العراقي لا تساعد في فرض قوانين تحديد سن الزواج. وتؤكد المحامية رنا الزبيدي، أن القانون العراقي يشترط أن يقع الزواج بعد تجاوز عمر الثامنة عشر.
وتستدرك الزبيدي لـ"العربي الجديد": "أعطى القانون العراقي في هذا الموضوع نوعاً من المرونة، مراعياً طبيعة المجتمع وعاداته، وأيضاً التماشي مع الشريعة الإسلامية كون المجتمع يتكون من غالبية مسلمة، والشرع الإسلامي لم يحدد عمراً للزواج، وأعاد ذلك إلى بلوغ الذكر والأنثى، وإلى أولياء الأمور. هناك تناسب طردي في أضرار الزواج المبكر، فكلما زاد عدد الزيجات المبكرة كلما زادت الأضرار، وتنشب خلافات كثيرة بعد فترة قصيرة من الزواج، ويكون السبب غالباً أفراد الأسرة الكبيرة، أو عدم القدرة على تحمل المسؤوليات والنفقات، فيكثر الطلاق".
ويسجل العراق أرقاماً كبيرة في حالات الطلاق؛ فحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى، سجلت البلاد خلال عام 2023 الماضي، معدل طلاق بلغ 200 حالة يومياً، و6 آلاف حالة طلاق شهرياً، وفي عام 2022، جرى تسجيل أكثر من 73 ألف حالة طلاق.
وتقول الناشطة في مجال البيئة، فاطمة عباس، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عملاً مستمراً من قبل منظمات المجتمع المدني ونشطاء في مجالات الصحة النفسية، والبيئة، والمرأة والطفل، لمحاولة وضع حلول تسهم في تقليل هذه الظاهرة التي يبدو أنه من غير الممكن إيقافها. أصبحت أعباء مشاكل الزواج المبكر أكبر بكثير من ما كانت عليه في السابق، وأخذت هذه الأعباء تشمل الصحة والبيئة أيضاً. منظمات إنسانية وحقوقية عالمية تعمل أيضاً على المساهمة في تقليل حجم هذه الظاهرة لمعرفتها بتأثيراتها السلبية على البيئة".
وتؤكد ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، ريتا كولمبيا، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أن "الصندوق يعمل مع الحكومة العراقية، وتحديداً دائرة تمكين المرأة، على إيجاد حلول لظاهرة الزواج المبكر، والتي تعتبر موضوعاً شديد الحساسية في البلاد".