تظهر أرقام حديثة أصدرتها اللجنة الوطنية للصحة في الصين أن 600 مليون شخص يعانون من السُمنة. ويقول مسؤولون في اللجنة إن "أكثر من 50 في المائة من البالغين، وحوالي 20 في المائة من الأطفال في الفئة العمرية بين 6 سنوات و17 سنة، وواحد في المائة من أولئك الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات يعانون من زيادة في الوزن". ويعلّق خبراء على هذه الأرقام بأن معاناة حوالي نصف سكان الصين من السمنة "تعني أن البلاد تواجه مشكلة صحية خطرة"، ويدعون إلى اتباع نهج شمولي للحدّ من السُمنة وبناء مجتمع صحي، فيما يعزو بعضهم ارتفاع معدلات السمنة إلى أنماط حياة جديدة مثل الإقبال الشديد على تناول الوجبات السريعة بتأثير الانتشار الواسع للمطاعم الأميركية، "ما يعني أن هذا الواقع هو نتيجة حتمية للانفتاح على الثقافة الغربية التي غزت البلاد في مجالات عدة".
في المقابل، يرى آخرون أن انتشار السُمنة في المجتمع الصيني، يشير إلى تحوّل الصين من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية. ويستعيد هؤلاء ذكرى مكافحة الحزب الشيوعي من أجل ضمان إمدادات غذائية تكفي لعلاج سوء التغذية خلال فترة المجاعة التي عرفتها البلاد في خمسينيات القرن العشرين، في حين أصبحت السُمنة اليوم مشكلة اجتماعية وصحية، بدأت السلطات في سن تشريعات وإطلاق برامج للحدّ من انتشارها بين الناس.
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن السُمنة اقترنت حتى وقت قريب بالثراء والمظاهر الرأسمالية، أما اليوم فيُعاني معظم الصينيين من وزن زائد، كضريبة لسرعة النمو الاقتصادي والميل نحو استهلاك مزيد من المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من الطاقة والدهون والأملاح والسكر.
وكانت السلطات تنبهت مبكراً لهذه المشكلة، إذ شددت الحكومة في خطتها الصحية الخمسية على أهمية الوقاية من السُمنة ومكافحتها خصوصاً بين الأطفال، وتعهدت بتقليل معدلاتها بحلول عام 2030. كما دعت خطة التغذية الوطنية إلى تشجيع الناس على تبني أسلوب حياة صحي من خلال تقليل تناول الملح اليومي بنسبة 20 في المائة، واقترحت الخطة تعزيز عادات غذائية صحية للوقاية من زيادة الوزن داخل البرّ الرئيسي.
تتحدث اختصاصية التغذية فانغ شو لـ"العربي الجديد"، بأن ارتفاع معدلات السُمنة في المجتمع الصيني مردّه الإقبال الشديد على تناول الأطعمة غير الصحية. وترى أن "طبيعة الحياة الصناعية فرضت ميل الناس إلى استهلاك الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسعرات الحرارية، علماً أن عدم وجود تصنيف رسمي من الحكومة للأغذية غير الصحية يصعّب مهمة حث الناس على ترك العادات السيئة التي ظهرت على هامش التطور والانفتاح الاقتصادي".
وعن مخاطر وصول السُمنة إلى معدلات غير مسبوقة في الصين، تقول فانغ: "السُمنة سبب رئيسي لأمراض مزمنة عدة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وجلطات الدماغ. وتكمن المخاطر في تحوّل المرض إلى عادة داخل المجتمع، ما يعني تعايش الناس مع كونهم من أصحاب الأوزان زائدة خصوصاً الأطفال الذين باتوا يدمنون ممارسة ألعاب الفيديو، والجلوس فترات طويلة أمام شاشات التلفزيون والهاتف وجهاز الكومبيوتر، مع استهلاكهم كميات كبيرة من الأطعمة غير الصحية. ويضعنا ذلك أمام جيل خامل غير قادر على التفكير والإنتاج والإبداع".
واللافت أن آباء في الصين اشتكوا في الفترة الأخيرة من قلة حصص التربية البدنية في المدارس الابتدائية والإعدادية، معتبرين أن هذا الأمر تسبب في حال من الكسل لدى أبنائهم، ما دفع وزارة التربية والتعليم إلى التعهد بتكثيف الأنشطة الرياضية، واعتبارها أساسية في امتحانات الالتحاق بالمدارس الثانوية.
من جهته، يقول الباحث الصيني جياو لونغ، لـ"العربي الجديد"، إن "السبب الأول لأزمة السُمنة هو قلة الوعي وغياب البرامج الأكاديمية. ورغم أن السلطات اتخذت تدابير عدة لمعالجة الزيادة المفرطة في الوزن، لكنها ليست إلا نصائح عابرة لا يكترث أحد بها".
يضيف: "غالبية الشركات المصنّعة للأغذية لا تراعي المعايير الصحية، وتركز فقط على إنتاج طعام شهي غني بمواد التحلية والنكهات، في حين لا تنفذ إدارة الأغذية والمشروبات أي مبادرة لحث الشركات على اتباع نهج صحي، مثل سن قوانين رادعة لمن يخالف معايير محددة، وفرض عقوبات قد تصل إلى السجن. كما تحتاج الصين إلى سياسات وبرامج توعية لتثقيف الناس حول كيفية اختيار الطعام المناسب الذي يحتوي على نسب دهون منخفضة. والحل الأمثل لمعالجة هذه المشكلة هو ترك العادات الغربية السيئة المتمثلة في إدمان الوجبات السريعة، والعودة إلى المطبخ الصيني الغني بالمأكولات الصحية، والتي لا تحتوي على سكر وأملاح، وتطهى بالماء وليس الزيت. كما يجب تناول اللحوم الحمراء بالحدّ الأدنى، مع التركيز على الخضروات والشاي الأخضر بدلاً من شرائح الهامبرغر والمشروبات الغازية".
يذكر أن الإرشادات الغذائية التي أصدرتها اللجنة الوطنية للصحة مطلع العام الحالي، اعتبرت السُمنة تهديداً كبيراً لصحة الشعب. وتقول وسائل إعلام رسمية إن "الإدارات الحكومية يجب أن تتعاون لتنفيذ سياسات الوقاية من السُمنة، وتثقيف الناس حول حصص الغذاء اليومية، وأهمية ممارسة الرياضة البدنية. والصين تحتاج إلى تحسين سياسات الوقاية من السمنة والحدّ منها، وخلق بيئة داعمة لتشجيع الناس على اختيار أسلوب حياة صحي طوعي".