مثلت مدارس تعليم الكبار في الصومال فرصة ثانية لمن فاتهم تحصيل الدروس في الصغر نتيجة الحروب الأهلية والظروف المعيشية السيئة التي واجه سكان كُثر تأثيراتها السلبية على حياتهم، لا سيما في الفترة التي أعقبت انهيار الدولة المركزية عام 1991، حين أغلقت المدارس الرسمية، ولم تتوفر أخرى خاصة. وفي عام 1995، بدأ القطاع التعليمي يستعيد عافيته تدريجاً من خلال افتتاح مدارس خاصة حلّت بدلاً من تلك الحكومية التي كانت توفر التعليم المجاني، لكن ربطها هذه المدارس بأقساط من أجل دفع مستحقات المدرسين والعاملين فيها، حرم فئات كثيرة من إمكانية الالتحاق بها.
ومع تزايد الجامعات المحلية في العقد الثاني من الألفية الجديدة، ظهرت مدارس للكبار تمتعت بوضع تعليمي خاص في ظل استقبالها عدداً كبيراً من الطلاب تراوحت أعمارهم بين 25 و50 عاماً، والتي فتحت أمامهم أبواب أمال جديدة باللحاق بركب الجامعات المحلية، بعد سنوات من انضمامهم بلا شهادات إلى سوق العمل، ودعمت تحقيقهم أحلاماً صدّتها الحروب.
بعد فاصل طويل
يقول الخمسيني حسين ماحي الذي يقصد يومين أسبوعياً مدرسة "هيان" لتعليم الكبار في العاصمة مقديشو لـ"العربي الجديد": "كنت في الثانوية العامة حين سقطت الدولة المركزية عام 1991، وانقطعت عن التعليم بعدما نزحت أسرتي من العاصمة هرباً من العنف. ثم لم أستطع العودة إلى مقاعد الدراسة، فانخرطت في مجال الأعمال ثم تزوجت وأصبحت رب أسرة، لكنّ الأمنيات ظلت ترافقني أينما حللت. وبعدما عادت الأمور إلى طبيعتها وكبر أولادي، سمحت ظروفي بالعودة إلى الدراسة مجدداً. وأنا أرى أن التعليم عملية مستمرة من المهد إلى اللحد".
وعلى غرار حسين يدرس كُثر في مدارس تعليم الكبار بعد فاصل طويل من الانقطاع عن العلم بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها الصومال منذ عقود. وقد أنعش التحسن الأمني الذي شهدته مقديشو أخيراً آمالهم، علماً أنّ حسين يأمل في أن يواصل تعليمه حتى نيل شهادة الدكتوراه.
أحلام الإناث
ورغم أنّ نسبة الإناث المتعلمات في الصومال تقل عن 20 في المائة، بسبب عدم توفر فرص تعليم كبيرة لهن في عموم البلاد نتيجة تمييز المجتمع المحلي في دمج الأطفال بالمدارس، واعتقاد أرباب أسر كثيرة بأنّ حياة المرأة تنتهي إلى تدبير شؤون المنزل والطهي وتنظيف المنازل، تشكل فتيات رقماً صعباً في قطاع التعليم ومحركاً أساسياً في سوق العمل بمقديشو، مثل هني الشيخ التي تملك متجراً لبيع الملابس في سوق البكارة الأكبر في الصومال.
تقول هني لـ"العربي الجديد" إنّ "تدهور الظروف الاقتصادية لأسرتي بسبب الحرب الأهلية جعل التعليم ترفاً يصعب حتى أن أفكر به باعتباره من الخيال، لكنني شخصياً تمسكت بالعودة إلى الدراسة، وهو ما أفعله اليوم بعدما بت أستطيع توفير رسوم المدرسة من مدخولي الخاص". وتؤكد أن "لا عقبات تمنعني من تحقيق حلم مواصلة تعليمي الثانوي، واستكمال مشوراي لنيل شهادة جامعية.
وتواجه فتيات كثيرات بعد التخرج من الثانوية العامة في الصومال مشاكل كثيرة على صعيد مواصلة التعليم، إذ تتزوج كثيرات منهن، بينما ترسل أسر قليلة بناتهن إلى الجامعات بسبب الإمكانات المادية المحدودة. كما تفرض الضغوط العائلية زواج كثير من الملتحقات بالجامعات لاحقاً، فلا تتخرج نسبة كبيرة منهن.
ويقول مدير مدرسة "هيان" لتعليم الكبار التي تأسست عام 2013، محمد فارج، لـ"العربي الجديد": "تخرج من مدرستنا حوالى 3 آلاف طالب وطالبة، ويعمل الكثير منهم اليوم في مؤسسات حكومية وخاصة، ونحن سعيدون بأنّ المدرسة توفر أملاً جديداً لكُثر يتلقون دروساً مختلفة من أجل رفع مستوياتهم المعرفية والثقافية". ويشير إلى أنّ "حوالى 150 طالباً وطالبة من الكبار يدرسون في المدرسة حالياً، ويقصدونها يومين أسبوعياً بسبب ضيق وقتهم وانشغالهم بأعمال خاصة. فالمدرسة تأسست لتلبية احتياجات الطلاب الذين انقطعوا عن التعليم بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية".
ويقدّر تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) معاناة نسبة 60 في المائة من المجتمع الصومالي من الأمية، مشيرة إلى أنّ هذه النسبة تبلغ نحو 70 في المائة لدى الإناث بسبب عدم توفر مدارس حكومية مجانية لهن، وأن نسب تسرّب التلاميذ تناهز 40 في المائة، علماً أن معدل التحاق الأطفال بالمدارس الخاصة والحكومية في الصومال يعتبر الأسوأ في دول منطقة القرن الأفريقي، في حين تعتبر جودة التعليم فيها الأقل في العالم بسبب الفساد المستشري في أجهزة الدولة. وما زالت الصومال تصنف ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، إذ تحتل منذ عام 2010 أحد المراكز الأخيرة على قائمة هذا التصنيف، طبقاً لتقارير منظمة الشفافية العالمية.