في ميناء جربة جنوب تونس، يتوافد هواة الصيد يومياً، خصوصاً خلال فترتي مطلع النهار وآخره. يحمل كل منهم عدة خاصة به تتضمن صنارة تربط بسن متوسط الحجم، وسلة لوضع الغنائم. يقفون على حافة رصيف بمفردهم أو ضمن مجموعة، ويشرعون في مراقبة المياه الراكدة للميناء البحري لاختيار أماكن تجمّع الأسماك تحت القوارب الصغيرة.
بخلاف صيادين آخرين لا يستخدم هؤلاء الهواة قصبة طويلة في تثبيت خيط الصنارة. ويقول أحدهم، ويدعى محمد، لـ"العربي الجديد": "نكتفي باستخدام خيط نربطه بسنّ متوسط الحجم. وبعدما نختار السمكة ونحدد مدى قربها من رصيف الميناء نحاول غرس السن في بطنها، علماً أننا لا نستعمل أي طعم، بل نعتمد على خفّة اليد في توجيه السن وغرسه".
يضيف: "قد أمضي تسع ساعات في الميناء، وألتقط خمس أو ست سمكات صغيرات فقط، لكنني لا أهتم لهذا الأمر، لأنني لا أتاجر بالأسماك بل أصطادها فقط، وهدفي الأول هو التمتع بالصيد، علماً أنني ألتزم الصمت والهدوء لدى الصيد مع باقي زملائي كي لا تبتعد الأسماك عن أرصفة الميناء".
يحمل هواة هذه الطريقة في الصيد أدواتهم البسيطة، ويتجمعون منذ ساعات الصباح الأولى في الميناء، ما يمكن أن يوحي بأنهم يتنافسون على من يصطاد أكبر حصة من السمك، لكنها تكون قليلة جداً في نهاية اليوم، رغم أنهم يمضون وقتاً طويلاً في البحث عن أماكن غنية بالأسماك.
ويقول جلال الميدوني (69 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن البعض يمارس هذه الهواية خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيما يقصد آخرون الميناء يومياً، خصوصاً كبار السن الذين تقاعدوا من العمل، وهو أحدهم. ويقول: "أفضل الصيد بهذه الطريقة على المكوث وقتاً طويلاً في البيت أو المقهى. وأنا لا أتاجر وأكسب المال مما اصطاده، بل أمضي وقتاً في ممارسة هواية ممتعة بالنسبة لي، وأهدي أحياناً صيدي إلى أحد المارة، أو أعطيه إلى شخص محتاج".
وبعدما اعتاد مراقبة الصيادين على الشواطئ، وتأثر بتمتعهم بمقدار كبير من الصبر الذي قد يجعلهم ينتظرون ساعات وربما طوال اليوم للظفر بسمكة واحدة، قرر عبد الرحمن (71 عاماً) منذ 4 سنوات تجربة هواية الصيد بالصنارة، وبات يقضي بدوره ساعات أمام البحر من دون أن يغنم سمكة واحدة. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أنقطع عن الصيد بالصنارة طوال هذه الفترة، وبت أمضي غالبية أيامي على شاطئ حلق الواد، وفي حوزتي فقط صنارة وعلبة تتضمن أنواعاً من طُعم الأسماك إضافة إلى طعامي. أخرج إلى البحر في الصباح الباكر، وأحياناً في وقت العصر وأبقى حتى الساعات الأولى من الليل. وقد أصطاد كميات كبيرة من الأسماك أو لا شيء، من دون أن يثنيني ذلك عن الصبر والأمل بأن غنائم البحر ستعلق في صنارتي".
أيضاً، لا يهتم مختار (66 عاماً) بكمية الأسماك التي يصطادها أو نوعها وحجمها، بل بالوجود في موقع هادئ على شاطئ كي يمضي فيه أكثر من ست ساعات في الصيد بالصنارة. يروي أنه يفضل الجلوس بمفرده وعدم التحدث مع أحد غالباً. ويشدد على أنه لا يحتاج طوال هذه الفترة إلا إلى بعض القهوة والموسيقى، ولا يشعر بالملل من الصمت ساعات طويلة.
يتابع: "أصطاد في الشتاء أنواع أسماك تختلف عن الصيف، وبينها سمك القاروص أو الوراطة الذي يظهر في أوقات البرد، بينما أصطاد سمك المنكوس خصوصاً في الصيف. وكل ذلك لا يهم لأنني لا أمارس الهواية بهدف التجارة والربح، بل لتمضية الوقت بعدما تقاعدت من العمل".
ويتفق كثيرون من هواة الصيد بالصنارة على ضرورة معرفة أفضل الأماكن والأوقات. ففي بعض الأشهر لا يمكن الصيد في فترة الصباح، كما لا يمكن إيجاد بعض أنواع الأسماك أحياناً إلا في الساعات الباكرة، ولا تتوافر كميات كبيرة من الأسماك قرب الشواطئ الرملية بخلاف ضفاف البحار قريباً من الصخور. ويدأب هؤلاء الهواة على متابعة نشرات الأحوال الجوية يومياً، لأنهم لا يستطيعون الصيد في أوقات تشهد سرعة عالية للرياح وأمواجاً عالية في البحر.
واللافت أن هواية الصيد بصنارة وفرّت فرص عمل كبيرة لتجار فتحوا محلات لبيع معداتها في أماكن مختلفة، خصوصاً قرب الشواطئ. وتختلف أسعار هذه المحلات بحسب المواد المستعملة لصنع قصب الصيد ونوعية طُعم السمك. يقول تاجر معدات الصيد بلال الشافعي لـ"العربي الجديد": "تجلب كلّ المستلزمات من الخارج، وأسعارها قد تكون مرتفعة، لكن ذلك لا يمنع فتح عدد كبير من محلات بيع معدات الصيد، بعدما باتت الهواية تستهوي الجميع، خصوصاً كبار السن، ولا تنحصر في الشبان أو محترفي الصيد. وخلق ذلك حركة تجارية قرب موانئ أو شواطئ تشهد توافد العشرات من هواة الصيد بالصنارة، والباحثين عن أفضل أنواعها".