أظهرت دراسة حديثة أنّ المعدل الإجمالي لقصر النظر لدى الأطفال والمراهقين في الصين بلغ 52.7 في المائة، وأن 14.3 في المائة من هذا المعدّل هو لأطفال دون السادسة، و35.6 في المائة لمن هم دون الـ 15 عاماً. وبحسب البيانات الصادرة عن اللجنة الوطنية للصحة في البلاد، فإن حوالي 50 في المائة من الأطفال المصابين يعانون من قصر نظر مرتفع الدرجة.
ودق أطباء وباحثون ناقوس الخطر، وطالبوا السلطات الصحية بتكثيف الجهود لمعالجة هذه المشكلة نظراً لتداعياتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية. ويرجع مراقبون ارتفاع معدلات قصر النظر عند الأطفال إلى برامج التعليم الصارمة، وطول ساعات الدراسة، في وقت حمل آخرون المسؤولية لشركات الألعاب والترفيه الإلكتروني، بسبب إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو عبر الهواتف المحمولة.
وكانت الحكومة الصينية قد أطلقت مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وثيقة عرفت باسم "التخفيض المزدوج"، لتحسين جودة التعليم والحدّ من الضغط الدراسي على الطلاب وأولياء الأمور. وحثّت شركات الألعاب على تحديد مدة اللعب بالنسبة للمراهقين. وجاءت الوثيقة في أعقاب ارتفاع أصوات تحدثت عن تأثير مشكلة قصر النظر على الموهوبين في البلاد، وخصوصاً في مجال الصناعات الدقيقة والتكنولوجيا العسكرية التي تتطلب تركيزاً كبيراً وبصراً ثاقباً، نظراً للتعامل مع أجهزة وأدوات صغيرة الحجم وعالية الدقة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها خبراء تحذيرات في هذا المجال. خلال السنوات الأخيرة، أبدت السلطات الصينية اهتماماً كبيراً وبذلت جهوداً حثيثة للتصدي لهذا الأمر استجابة لدعوات مماثلة. وفي عام 2018، أصدرت ثماني إدارات، بما في ذلك وزارة التعليم، واللجنة الوطنية للصحة، خطة تنفيذية للوقاية من قصر النظر لدى الأطفال ومكافحته. إلا أن الإجراءات الحكومية الأخيرة جاءت أكثر وضوحاً وصرامة، واستهدفت على وجه التحديد قطاعي الدروس الخصوصية، وشركات الألعاب، وذلك بعد رفع شكاوى من أولياء الأمور بشأن تكاليف الدروس الخصوصية الباهظة، وكذلك الوقت الطويل الذي يقضيه أبناؤهم في ممارسة ألعاب الفيديو.
كما شملت الإجراءات الجديدة تخفيض ساعات الدراسة، وتقليص الواجبات المنزلية إلى حدها الأدنى، في مقابل زيادة حصص الرياضة وساعات الترفيه اليومية، على اعتبار أن انشغال الطلاب بالمنهاج الدراسي يحول دون مشاركتهم في الأنشطة البدنية، ما يؤثر على نظام نومهم، وبالتالي التسبب في قصر النظر لديهم.
ونصت وثيقة "التخفيض المزدوج" على أن يكون لدى تلاميذ المدارس الابتدائية حصة تربية بدنية واحدة كل يوم لا تقل عن ثلاثين دقيقة. وحثت المعلمين على اصطحاب التلاميذ إلى باحة المدرسة عند الظهيرة للتعرض للشمس، ومنع استخدام شاشات العرض الكبيرة في الفصل لأكثر من عشرين دقيقة أثناء التدريس، والإشراف على وضعية جلوس التلاميذ ومدة القراءة بالنسبة لكل تلميذ، ودعوة أطباء العيون بانتظام إلى المدرسة لتعليم التلاميذ كيفية الحفاظ على أبصارهم.
ضرورة ملحة
حول هذه الإجراءات، يقول المرشد التربوي في مديرية التعليم في مدينة شيامن، جينغ لو يوان، إنها ضرورة ملحة من أجل وضع حد لتداعيات المنهاج الدراسي المكثف في الصين، والتي يأتي في مقدمتها قصر النظر لدى التلاميذ وخصوصاً في المرحلة الابتدائية. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن صحة التلاميذ وسلامة بصرهم أهم من الحصول على درجات كاملة في الامتحانات المدرسية.
ويشير إلى أن كثافة المنهج الصيني وتراكم الواجبات المنزلية، دفعت أولياء الأمور نحو اللجوء إلى الدروس الخصوصية، وذلك على حساب التمارين البدنية التي يحتاجها الطلاب في المرحلة الابتدائية. يتابع أن هذه العوامل مجتمعة زادت الأعباء على الطلاب وآبائهم على حد سواء، وقد برزت تداعياتها إلى الواجهة مع تزايد الشكاوى من التكاليف الباهظة للمعلمين خارج حرم المدرسة، إلى جانب إحصاءات اللجنة الوطنية للصحة بشأن ارتفاع معدلات قصر النظر عند الأطفال.
خطر فقدان البصر
من جهته، يعدّد الطبيب ليو تشين أسباب قصر النظر عند الأطفال، ومخاطر ذلك على المجتمع. ويقول لـ "العربي الجديد" إن الأجهزة اللوحية تعد أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بقصر النظر. ويوضح أن عدداً كبيراً من الآباء يعطون لأطفالهم دون اكتراث هواتفهم المحمولة لإسكاتهم وإرضائهم في حالات الغضب. وبمرور الأيام يصبح الهاتف المحمول وسيلة إلهاء، وفي نفس الوقت أداة جارحة تستهدف شبكية العين.
يضيف أن تكرار ذلك يومياً يؤدي إلى ضعف النظر خلال فترة زمنية قصيرة قد لا تتعدى ستة أشهر، وعدم معالجة المشكلة في وقت مبكر يتسبب في حدوث مضاعفات خطيرة مثل خفوت عدسة العين، وانطفائها جزئياً، وفي بعض الحالات قد يصل الأمر إلى تلف شبكية العين، وفقدان البصر.
وعن سبل الوقاية، يقول: "لا أحد يستطيع أن يقف في وجه التطور التكنولوجي، ولكن تقع على عاتق الآباء والأمهات مسؤولية حماية أبنائهم من خطر التكنولوجيا عبر التوعية الصحية والتعامل الناضج في كيفية منعهم من الانغماس في هذه البيئة، وخصوصاً في المراحل العمرية المبكرة". يضيف أن أبسط الوسائل وأسهلها وأقلها كلفة تتمثل في اصطحاب الأطفال إلى المناطق المفتوحة للتعرض للهواء والشمس مثل الحدائق والمتنزهات العامة، إلى جانب مراقبة فترات القراءة، على ألا تزيد عن 15 دقيقة مستمرة في كل مرة، يتبعها التحديق بمكان بعيد لمدة عشرين ثانية، وكذلك مراعاة المسافة بين الطفل واللوحات الرقمية مثل شاشة التلفاز (لا تقل عن ثلاثة أمتار)، وممارسة الرياضة بانتظام ويستحسن في فترة الصباح.