ليس الاعتداء على الكادر الطبي حديث العهد في الصين، لكن الأمر تفاقم خلال السنوات الأخيرة ليتحول إلى ظاهرة، وبات الأطباء يخشون على سلامتهم داخل المستشفيات، ويشكون من تجاهل الحكومة حمايتهم.
ووقعت أخطر جرائم الاعتداء على الكوادر الطبية في الصين، مطلع العام الحالي، في مقاطعة جيانغ شي جنوبي البلاد، وخلفت وفاة طبيب بعد تعرضه للاعتداء من مريض غاضب، كما شهدت مقاطعة شاندونغ الشرقية، خلال الشهر الماضي، إصابة ثلاثة أطباء بعد أن فجر مريض قنبلة يدوية داخل أحد المستشفيات. دفعت هذه الحوادث السلطات الصينية إلى سن قانون دخل حيز التنفيذ في شهر يونيو/ حزيران الماضي. ويعاقب القانون الجديد من يرتكبون أيّاً من جرائم الاعتداء على الكوادر الطبية بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، كما أصدرت اللجنة الوطنية للصحة قائمة سوداء بأسماء الأشخاص الذين لديهم سجل سيئ داخل المؤسسات الطبية، يمنع بموجبها هؤلاء من الاستفادة من نظام التأمين الاجتماعي.
وباتت السلطات المحلية في كل المقاطعات تجري تفتيشاً أمنياً عند مداخل المؤسسات الطبية، بالإضافة إلى تفعيل كاميرات المراقبة، وأنظمة التعرف إلى الوجوه.
وكانت دراسة استقصائية حديثة قد أظهرت أن 85 في المائة من أطباء الصين تعرضوا للعنف خلال أوقات عملهم، وأن 23 في المائة منهم أصيبوا بكدمات في أماكن متفرقة من أجسادهم نتيجة اعتداءات مباشرة من المرضى، أو ذويهم، ويشمل ذلك الركل أو اللكم، وأحياناً استخدام أدوات حادة.
ووقّع أكثر من نصف مليون طبيب في الصين على عريضة قبل عامين، تطالب السلطات بالتدخل لحمايتهم.
وبالرغم من ارتفاع أسهم الأطباء خلال جائحة كورونا، بعد أن أشاد مسؤولون في الدولة بدورهم في التصدي للوباء، وكرّم الرئيس شي جين بينغ عدداً كبيراً منهم، فإن العنف ضدهم لا يزال منتشراً.
وحسب المحكمة العليا في البلاد، فإن حالات الاعتداء على الأطباء ارتفعت من ثمانية آلاف حالة في عام 2004، إلى أكثر من 35 ألف حالة في عام 2020، وقالت اللجنة الوطنية للصحة وتنظيم الأسرة إنها توسطت خلال العامين الماضيين في أكثر من 60 ألف نزاع طبي.
يقول لين قوه (42 سنة)، وهو طبيب يعمل في مستشفى "شونغ ون" للأطفال بالعاصمة بكين لـ"العربي الجديد"، إنه تعرّض لمحاولتي اعتداء خلال العام الحالي، وأوضح بأن ذلك مرده إلى الحالة المزاجية والنفسية السيئة لذوي المرضى، معتبراً أن "الطبيب عادة ما يكون موجوداً في خط المواجهة الأول أمام أقرباء المريض الغاضبين حين تحدث مضاعفات، أو حين يؤدي ذلك إلى حدوث الوفاة. في مثل هذه الحالات توجّه أصابع الاتهام إلى الطبيب المسؤول عن الحالة، وقد يترجم الغضب إلى اعتداء مباشر يستهدف حياته، أو حياة أفراد عائلته".
ويشير الطبيب الصيني إلى أن "الحماية الأمنية داخل المؤسسات الطبية غير كافية، وتقتصر عادة على عنصرين أمنيين يلزمان بوابات المستشفى، في حين أن الخطر الأكبر يكمن في الداخل، خصوصاً حين يتمكن أحد الغاضبين من انتزاع أداة حادة لتهديد الأطباء معرضاً حياتهم للخطر".
وحول أسباب انتشار الظاهرة، وتداعياتها على المجتمع، يقول الباحث في معهد "بو خوا" للتأهيل النفسي، كانغ يوان، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المؤسف أن يواصل المرضى في الصين مهاجمة أطبائهم"، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها التراكمات النفسية في ظل ضغوط الحياة المتزايدة، وكذلك نظام الرعاية الصحية المعمول به في البلاد، والذي لا يسمح للأفراد بالاستفادة من الخدمات الطبية المجانية خارج مقاطعاتهم (مسقط رأسهم)، فيلجأون إلى مستشفيات خاصة تكون فيها تكاليف العلاج فوق قدرة المريض على التحمل، ما يولّد حالة احتقان تجاه الأطباء.
ولفت يوان إلى أن "تمويل الحكومة لمستشفيات على حساب أخرى قد يدفع في نفس الاتجاه لأن المؤسسات الطبية التي لا يشملها التمويل الحكومي تضطر إلى رفع تكلفة الخدمات والأدوية من أجل ضمان الاستمرار والكسب، وهو الأمر الذي يتحمله المواطن في النهاية، وأكثر من 35 في المائة من الإنفاق على الرعاية الصحية في الصين يأتي من المرضى، لذلك يقابل أي تقصير أو خطأ في هذه المؤسسات بأعمال عنف من المرضى نتيجة عدم الثقة، والشعور بالاستغلال".
وتحدث الباحث الصيني عن قلة عدد الأطباء في الصين مقارنة بعدد السكان، فالنسبة القائمة هي طبيبان لكل ألف شخص، مشيراً إلى أن هذا الرقم أقل من المعدل الطبيعي العالمي، بالإضافة إلى تدني أجور الأطباء، وهي عوامل اعتبرها أساسية في خلق مناخ عنيف داخل المؤسسات الطبية، متوقعاً أن تستمر دائرة العنف بعد سيطرة الحكومة على الوباء، وعودة الناس إلى المستشفيات، وأن هذه الظاهرة لن تختفي ما لم يتم وضع سياسات صارمة تعالج جذورها.
وحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية اختلاف جودة الرعاية الصحية بين الريف والمناطق الحضرية، وما يسببه ذلك من تمييز بين المواطنين؛ يترجم في الغالب إلى عنف ضد الكوادر الطبية، لافتين إلى أن الإجراءات التي أصدرتها الحكومة بشأن حماية الأطباء غير صارمة، ولا تكفي للقضاء على العنف، خصوصاً في المستشفيات الخاصة.
ويشار إلى أنه منذ تطبيق القوانين الجديدة في الصين، صودرت أكثر من 222 ألف قطعة من السكاكين والآلات الحادة عند مداخل المستشفيات، كما تم القبض على 475 شخصاً منذ مطلع العام الحالي، بسبب ارتكابهم جرائم متفاوتة بحق الأطباء، وصل بعضها إلى حد القتل.