أصدرت السلطات الصينية أخيراً قراراً يمنع أرباب العمل من إنهاء عقود أو رفض توظيف مصابين بأمراض معدية، وذلك في أعقاب شكاوى رفعها طلاب كانوا أصيبوا بفيروس كورونا، وتحدثوا فيها عن مواجهتهم صعوبات في العثور على وظائف، "لأن بعض أصحاب العمل رفضوا توظيف أشخاص يملكون سجلاً مرضياً".
ترافق ذلك مع تعهد اللجنة الوطنية للصحة بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في شن حملة صارمة ضد التمييز الوظيفي مع مرضى كورونا المتعافين، وسط احتجاج عام لتكريس المساواة في حقوق العمل مع من يملكون سجلاً مرضياً.
وقالت اللجنة في بيان إن "شركات توظيف وأرباب عمل استخدموا تطبيقات تضمنتها أجهزة خليوية، وأظهرت الحال الصحية لأصحابها، بطريقة غير قانونية، للتحقق من السجل المرضي للمتقدمين إلى الوظائف، ما يشكل تمييزاً وانتهاكاً لحقوق الموظفين"، علماً أن أرباب العمل المعنيين ربطوا تدابيرهم بخشيتهم من توقف الإنتاج، وتكبدهم خسائر مالية كبيرة في حال إصابة أحد موظفيهم بعدوى.
من جهتها، تعهدت محكمة الشعب العليا في الصين بتعزيز تفتيش أصحاب العمل ومقدمي خدمات الموارد البشرية في شأن تحققهم بشكل غير قانوني من نتائج اختبارات الحمض النووي. وأكدت أنها تخطط لحظر التمييز الوظيفي بشكل حاسم ضد مرضى كورونا المتعافين. وقالت: "لن يجرى الاستعلام عن نتائج اختبارات الحمض النووي من دون الحصول على إذن مسبق من شركة أو فرد، بصرف النظر عن الحاجة إلى الوقاية من الأوبئة ومكافحتها".
أيضاً، شدد رئيس مجلس الوزراء لي كه تشيانغ على المساواة في حقوق العمل، ودعا إلى معاقبة أولئك الذين يمارسون التمييز ضد مرضى كورونا المتعافين، وذلك خلال اجتماع عقده مجلس الدولة في منتصف يوليو/ تموز الماضي.
وكان خبراء صينيون دعوا إلى حظر المحتوى التمييزي في إعلانات الوظائف ضد الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا وتعافوا لاحقاً، وحذروا من أن هذا السلوك التمييزي قد يتسبب في أزمة حقيقية لسنوات عديدة.
فقدان الوظيفة
يقول جين جاو، الذي أصيب بفيروس كورونا قبل نحو ثلاثة أشهر أثناء عمله في العاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "بعدما أمضيت أسبوعين في مركز حجر صحي، كان من الطبيعي أن أعود إلى العمل، لكنني فوجئت برسالة من مديري المباشر عشية العودة، أخبرني فيها أن الشركة قررت الاستغناء عن خدماتي، وأن موظفاً آخر حل مكاني أثناء فترة التعافي من الفيروس".
يضيف: "لم يكن لدي ما يكفي من مال، لذا كان لا بدّ من البحث عن وظيفة أخرى في أسرع وقت. قدمت طلبات إلى عدة شركات، وفي كل مقابلة، كان أرباب العمل يستفسرون عن سجلي المرضي، وحين يعلمون بأنني أصبت قبل أسابيع بفيروس كورونا ينهون المقابلة فوراً، ويقولون لي إنهم لا يوظفون متعافين حرصاً على بقية الموظفين من خطر العدوى".
ويوضح جين أنه يقيم الآن عند صديق له لأنه بات لا يملك المال الكافي لاستئجار شقة. وأمل أن تحظر الحكومة اطلاع الشركات على السجلات الصحية للمتقدمين إلى وظائف، كي لا يُمارس أي تمييز في حقهم يضعهم خارج دائرة الاهتمام والمنافسة.
أحكام غير مبررة
ويقول الباحث في مركز لويانغ للدراسات الاجتماعية، جياو ون، إن "عدداً كبيراً من العمال المهاجرين الذين أصيبوا في المدن الكبرى بفيروس كورونا وتعافوا تُركوا بلا وظائف ومشردين أكثر من شهر. وهم واجهوا صعوبات في العثور على وظيفة لأن بعض أصحاب العمل رفضوا توظيف أشخاص لديهم سجلات تشير إلى أنهم أصيبوا بالوباء".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "بغض النظر عن حرص الشركات على صحة الموظفين، تعتبر هذه الإجراءات والأحكام التمييزية غير مبررة إطلاقاً".
ويدعو إلى فهم علمي لآلية انتقال فيروس كورونا من شخص إلى آخر، لافتاً إلى أن "قنوات انتقال الوباء الرئيسية هي الرذاذ التنفسي والاتصال الوثيق في حال كان أحد الأطراف حاملاً للمرض. ويستثنى من ذلك الأشخاص الذين ثبتت صحتهم بعد العلاج واستوفوا معايير الخروج من مراكز الحجر الصحي، وبالتالي، يمكن أن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، وهو حق تكفله الدولة".
ويوضح جياو أن "استمرار الممارسات التمييزية داخل المؤسسات في حق مرضى كورونا المتعافين، في وقت لا تزال تظهر بؤر جديدة للوباء في مدن ومناطق مختلفة، يعني أننا أمام تسريح جماعي للعمالة أشبه بكرة جليد تتدحرج ببطء وتصدم بسرعة سوق العمل، وتترك أثراً دامغاً". يضيف: "هناك أيضاً تداعيات نفسية خطيرة قد تؤدي إلى عزلة اجتماعية وأمراض قد تتفاقم مع مرور الوقت إذا لم تتدخل الدولة لإنهاء هذه التجاوزات".
يشار إلى أن العديد من المدن الصينية بدأت، خلال الفترة الأخيرة، تقليص الفترة الزمنية لفحص سجل اختبار الحمض النووي للأفراد المتعافين من شهرين إلى نصف شهر. ويُنظر إلى هذا الإجراء باعتباره تغييراً عملياً وإيجابياً للأشخاص الذين يكافحون من أجل العثور على وظائف بعد تعافيهم من فيروس كورونا.