أخيراً، أعلنت الصين تخفيض فترة الحجر الصحي للمسافرين القادمين إليها بمقدار النصف، في تراجع هو الأول عن سياسة صفر كوفيد وإجراءات الوقاية من فيروس كورونا الجديد الأكثر صرامة في العالم. وقالت لجنة الصحة الوطنية في بيان إن أي شخص يصل من خارج البلاد يجب أن يخضع للحجر الصحي الإلزامي لمدة سبعة أيام، تليها ثلاثة أيام من الحجر المنزلي. وكانت القواعد السابقة تتطلب البقاء 14 يوماً في فندق بالإضافة إلى سبعة أيام من الحجر والرقابة الذاتية. كما أزالت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات نظام النجمة من سجلات السفر على الهواتف المحمولة. وتشير علامة النجمة إلى أن المستخدم كان في حالة إصابة أو حجر صحي خلال الأسبوعين الماضيين، ما يسمح للسلطات بإجراء اختبار كوفيد-19 للأشخاص أو رفض دخولهم أو عزلهم أثناء السفر الداخلي.
وتأتي التطورات الجديدة في وقت شهدت فيه مدينتا شنغهاي وبكين تراجعاً في عدد الإصابات اليومية هو الأدنى منذ شهر فبراير/ شباط الماضي. وكانت شنغهاي قد خضعت لإغلاق شامل استمر شهرين أدى إلى إجبار معظم سكانها البالغ عددهم 25 مليون نسمة على البقاء في منازلهم، فيما كانت العاصمة بكين قد شددت إجراءاتها خلال الشهرين الماضيين، وأجرت عمليات إغلاق جزئية واختبارات جماعية للسكان لمكافحة تفشي الوباء، الأمر الذي تسبب في أضرار كبيرة بالاقتصاد، وخصوصاً في الربع الثاني من العام الحالي.
بالإضافة إلى بكين وشنغهاي، خففت أكثر من ست مدن أخرى فترات الحجر الصحي الخاصة بها، فيما بدأت السفارات الصينية في الخارج في تخفيف قيود التأشيرات للزوار. ويرى خبراء أن هذا التراجع عن سياسة صفر كوفيد الصارمة "مفاجئ تماماً"، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح. وفور الإعلان عن الإجراءات الجديدة، تصاعدت عمليات البحث عبر الإنترنت عن تذاكر الطيران الصينية عبر الخطوط المحلية والدولية. وكتب أحد المستخدمين على موقع "ويبو": "تبدو خطوة بسيطة للآخرين، لكنها تعني الكثير لنا. فمنذ أكثر من عامين لم يكن بمقدورنا السفر إلى الخارج"، وقد حظي إعلان الوزارة تخفيف القيود بأكثر من 200 مليون مشاهدة خلال اليوم الأول فقط.
حالة ترقب
يقول العديد من الراغبين في السفر على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم يفضلون الانتظار قبل محاولة حجز تذاكر، مشيرين إلى صعوبة السفر في الوقت الراهن، والقيود الحكومية على تجديد جوازات السفر للمواطنين الذين يرغبون في مغادرة البلاد.
وانغ يو بين، طالب صيني كان يدرس في بريطانيا قبل عودته إلى بلاده في منتصف عام 2020 خلال فترة تفشي الوباء في القارة الأوروبية، يقول لـ"العربي الجديد": "منذ أكثر من عام أحاول العودة إلى جامعتي في لندن لاستئناف الدراسة، لكنني لم أتمكن من ذلك بسبب إغلاق الحدود ورفض السلطات تجديد جواز سفري. وعلى الرغم من رفع قيود السفر في دول أخرى، ظلت الصين متمسكة بسياستها، الأمر الذي حال دون قدرتي على استكمال دراساتي العليا. لكن الأخبار الأخيرة تبدو مطمئنة، وأنتظر بفارغ الصبر استئناف الرحلات بصورة طبيعية".
من جهته، يقول دينغ ياو، وهو موظف يعمل في شركة تكنولوجية بمدينة شينزن: "ما زلت لا أصدق أنه يمكن التعايش مع الفيروس كما في الدول الغربية. كانت الأشهر الماضية بمثابة كابوس في ظل وجود إصابات في كل منطقة ومدينة. كما أن الاختبارات اليومية مزعجة ومملة، فضلاً عن الإغلاقات المتكررة ونقل المصابين قسراً إلى مراكز العزل"، ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخطوة الحكومية وإن جاءت متأخرة، قد تخفف الأعباء النفسية والضغط الكبير الذي تحمله السكان خلال العامين الماضيين.
التهديد مستمر
في تعليقه على الإجراءات الجديدة، يقول الباحث الصيني في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية في مقاطعة فوجيان تشين يونغ، لـ"العربي الجديد": "على الرغم من أن هذا أول تغيير رسمي على الصعيد الوطني في سياسة صفر كوفيد، فإننا يجب ألا نرفع سقف التوقعات، لأنه من غير الممكن أن تصل الصين إلى مرحلة التعايش التام مع الفيروس نظراً إلى انخفاض معدل التلقيح بين كبار السن، ونقص قدرة المستشفيات على علاج المصابين بأمراض مزمنة". ويوضح يونغ أن الصين تسعى إلى تحقيق التوازن بين سياسة صفر كوفيد والنمو الاقتصادي من خلال تنفيذ تدابير جديدة للسيطرة على الفيروس والوقاية منه بطريقة أكثر مرونة، من دون التخلي عن سياستها بصورة تامة. قد تشهد الفترة المقبلة تخفيفاً لبعض القيود المتعلقة بالوباء، لكن من المتوقع أن تظل السياسة العامة سارية، لافتاً إلى أن "احتمال إجراء المزيد من عمليات الإغلاق بسبب انتشار الفيروس ما زال قائماً".
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن خلال زيارته لمدينة ووهان، الشهر الماضي، أن بلاده تفضل التأثير مؤقتاً على القليل من التنمية الاقتصادية، بدلاً من المخاطرة بالإضرار بسلامة حياة الناس وصحتهم الجسدية، وخصوصاً كبار السن والأطفال، ويشير إلى أن عدد سكان الصين الكبير يعني أن البلاد لا يمكنها التخلي عن سياستها الخاصة بمكافحة الوباء. ويرى مراقبون أن تعليقات شي الأخيرة يمكن أن تعزز الاقتراح داخل قيادة الحزب الشيوعي باستمرار سياسة صفر كوفيد خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، فيما يعتبر آخرون أنه يُنظر إلى الانخفاض النسبي للوفيات الناتج عن انتشار فيروس كورونا في الصين، على أنه نجاح سياسي لشي والحزب، الأمر الذي يحول دون تفريط القيادة العليا بنهجها الصارم على الرغم من التذمر الشعبي.