ما زال الطب التقليدي والشعبي يسجل حضوراً لافتاً في الجزائر، وما زال بعض سكانها يفضلون اللجوء إليه والتداوي بالحجامة والأعشاب التي توفرها الطبيعة لعلاج مشاكل صحية وأمراض يستعصي بعضها على الأطباء. من هنا يقصد بعض المرضى معالجين كباراً في السن يزعمون أنهم أصحاب حكمة ورثوها عن أسلافهم. ويبرر هؤلاء المرضى ذلك بالجدوى المحتملة من الطب التقليدي، رغم التطور العلمي الكبير في مجال العلاج بالتقنيات الحديثة، وكذلك بمحاولتهم تجنب استخدام أدوية تحتوي على مكونات كيمياوية وغير طبيعية، كما أن كلفة العلاج التقليدي والشعبي منخفضة.
شفاء بـ"الكيّ"
في منطقة المعايف بمحافظة البليدة (غرب)، افتتح رضا حمياني ما يشبه عيادة صغيرة داخل منزله لعلاج مرض "عرق النسا" الذي شهد انتشاراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وبات يستقبل حوالى 15 شخصاً مريضاً يومياً. يشرح لـ"العربي الجديد" أنه ورث تقنيات العلاج التقليدي من أبيه الذي ورثها بدوره من والده، ويصف هذه التقنيات بأنها "حكمة". أما طريقته في العلاج فتلحظ وضعه سكيناً خاصاً قديماً على النار، ثم استخدامه في "كي" المنطقة التي يتألم منها المريض، وهو ما يكرره ثلاث مرات مع قراءة آيات وأدعية، ثم يطلب من المريض العودة على ثلاث مراحل لاستكمال العلاج.
يقول رضا الذي زادت شهرته بعدما تعافى أشخاص خضعوا للعلاج على يديه: "استقبلت في عيادتي مرضى شبه مشلولين ويعانون من ألم شديد، علماً أن مرض عرق النسا قد يؤدي إلى عجز تام عن الحركة. لكن نتيجة العلاج الذي أقدمه من خلال الكي ثلاث مرات هي شفاء المريض وعودته إلى المشي بطريقة عادية". ويشير إلى أن "مرض عرق النسا يصيب الأشخاص الذين يجلسون في شكل دائم أو يقودون السيارة لفترات طويلة، أو أولئك الذين يقفون فترات طويلة أيضاً في عملهم، إضافة إلى عمال الورش الذين يحملون الأوزان الثقيلة بوضعيات خاطئة".
في قلب التجربة
خارج العيادة التقليدية لرضا كان موظف في إحدى الإدارات العمومية يدعى سمير، وهو في الأربعينات من العمر، وأخبر "العربي الجديد" أنه قرر تجربة العلاج التقليدي لعرق النسا بطريقة الكي بعدما استنفد كل السبل للتخلص من آلامه الكبيرة التي جعلته يشعر بما يشبه صعقات كهرباء على مستوى العمود الفقري والعضلات الخلفية للفخذ. ويقول: "أجريت كل صور الأشعّة والتحاليل، واستعملت كل الأدوية التي وصفها لي الأطباء، لكن حالتي لم تتحسن، ثم أخبرني أحد أقربائي عن عيادة الطب التقليدي المتواضعة فقصدتها. والحقيقة أنه عندما جئت للمرة الأولى إلى هنا لم أكن متأكداً من جدوى العلاج التقليدي، ولم أكن مقتنعاً بممارساته، لكنني قررت تجربته لأنني لن أخسر شيئاً في أي حال، علماً أن والدتي طلبت مني التوجه إلى العيادة بنية حسنة، وهو ما فعلته. وبعد حصتي علاج فوجئت بتقلص نسبة الألم، وبعودتي إلى المشي بلا أوجاع، ما زاد قناعتي بفعالية العلاج الذي سأستكمل حصته الثالثة والأخيرة اليوم".
زيت طبيعي وثوم
أيضاً يشتهر الطب التقليدي بمعالجته مرض الصداع النصفي أو ما يعرف شعبياً باسم "الشقيقة"، والذي يترافق مع آلام كبيرة في الرأس، وزاد انتشاره أيضاً في السنوات الأخيرة في ظل تفاقم حجم الضغوط الاجتماعية والاستخدام المفرط للهاتف الخلوي وتجهيزات الاتصال الحديثة.
في بيته ببلدة حمر العين (غرب)، يستقبل مروان أرنوفي مرضى الصداع النصفي بوصفة تقليدية يستخدم فيها زيتاً طبيعياً، والتي يدافع عن فعاليتها في توفير العلاج المطلوب. أما الخالة عائشة فتعالج مرض "البوصفاير" الذي تظهر علاماته بوضوح في عين المريض ويؤدي غالباً الى إصابته بنقص الشهية، بالثوم وشفرة حلاقة في طريقة تطبقها منذ ثلاثة عقود، بعدما ورثتها عن أبيها الذي اشتهر سابقاً بعلاج هذا المرض.
ويقصد بيت الخالة عائشة في منطقة مناصر قرب مدينة شرشال الأثرية، مرضى من مختلف المناطق والمحافظات. وتقول لـ"العربي الجديد": "أفحص عين المريض لتأكيد إصابته، ثم أتدخل عملياً عبر جرح يده ومرفقه وجبهته، وأكوي منطقة الجرح بالثوم الأحمر، وأكرر ذلك في ثلاث جلسات كي أضمن فعالية العلاج في القضاء على المرض نهائياً".
اختلاف في التقييم
وتختلف التقييمات العلمية لمثل هذه الحالات من العلاج التقليدي، فبعض الأطباء مثل البروفيسور بوعيطة سليم الذي يترأس مصلحة طب الأعصاب في مستشفى شرشال، لا ينكر في حديثه لـ"العربي الجديد" واقع أن العلاجات التقليدية أثبتت فعالياتها في بعض الأمراض رغم التطور في مجال الطب الحديث، ويقرّ بأنه وجّه بنفسه بعض المرضى إلى معالجين تقليديين، بعد استعصاء تشخيص المرض أو علاجه بالطرق العلمية. لكن الطبيب المتخصص في طب الأطفال سحنون محمد يعارض ممارسات العلاجات التقليدية، ويصفها في حديثه لـ"العربي الجديد" بأنها "لا تستند إلى أساليب صحيحة باستثناء الرقية الشرعية"، مشدداً على أن "معالجين كُثراً يبتزون المرضى ويستثمرون في معاناتهم، علماً أنه لا يخفى أن استخدام العلاجات التقليدية فاقم معاناة المرضى في بعض الحالات، علماً أن الظروف المادية تجبر مرضى على اللجوء إلى علاجات تقليدية منخفضة الكلفة، كما يتسبب الجهل في استخدامهم الخاطئ لأنواع من الأعشاب لا تنفع في معالجة الداء".
مخاطر مبررة
وفي السياق، يقول رشيد زواد الاختصاصي في علم الاجتماع لـ"العربي الجديد" إن "المرضى يصابون بتوترات نفسية تدفعهم إلى الإيمان بأي شخص قد يقدم العلاج لهم. وممارسات العلاجات التقليدية نابعة من الموروث الشعبي جيلاً بعد آخر، وقد أثبتت فعاليتها تاريخياً في بعض الأمراض".
ويشير إلى أن العوامل الاجتماعية والأزمة الاقتصادية التي أضعفت القدرة الشرائية لدى الناس وغلاء الأدوية التي يصفها الأطباء، أدت إلى عدم التردد في استعمال أدوية أعشاب ومشتقات حيوانية ومعدنية مجهولة الهوية للتداوي، لكن أشخاصاً كُثراً يمارسون الطب التقليدي البديل في ظل جهلهم الأمراض والطرق السليمة للطب، ما يفسح في المجال أمام انحراف بعض المعالجين الذين يخلطون بين العلاجات الطبيعية والضرورات الطبية.