مع انخفاض أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في العراق، لن يكون سهلاً بالنسبة لكثير من السكان العودة إلى حياتهم الطبيعية وعاداتهم وتقاليدهم، بعدما أجبرتهم الإجراءات الوقائية الخاصة بالوباء على هجر العديد من تلك العادات المتوارثة تجنباً للإصابة بالعدوى. ولعلّ أبرز هذه العادات التي بات يفتقدها العراقيون هي المصافحة باليد والعناق والتقبيل وشرب القهوة بالفنجان نفسه في المجالس، وحضور المناسبات العامة من دون الاكتراث للأعداد.
خلال الأيام القليلة الماضية، بدأ العراق يشهد انخفاضاً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا والوفيات الناجمة عنه، في مقابل ارتفاع أعداد المتعافين منه. لكن، تجدر الإشارة إلى أنّ عدم الالتزام بتطبيق الإجراءات الوقائية ساهم في ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس في البلاد، إذ إنّ الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد وارتفاع نسبة البطالة والفقر بين المواطنين، شكّلا عائقاً أمام تطبيق هذه الإجراءات كما يجب، في ظلّ رفض عدد كبير من المواطنين الامتثال لقرارات السلطات.
في الوقت نفسه، لم تعد التحية المتعارف عليها بين العراقيين تلاحَظ في الشوارع أو الأماكن العامة أو المناسبات. ويقول عبد العزيز المحسن، وهو من وجهاء قبيلة شمر في محافظة بابل (جنوب)، لـ"العربي الجديد" إنّ العراقيين اعتادوا على المصافحة باليد، لافتاً إلى أنّ هذه التحية لا تعبّر عن الاحترام بالنسبة لكثيرين، ليكون العناق والتقبيل أساسياً. يضيف أنّ التحية بين الرجال، بحسب التقاليد المتوارثة، تتشابه إلى حدّ بعيد بين سكان مناطق العراق، وتتضمن المصافحة وتقبيل الخد قبلتين على الأقل، علماً أنّ التقبيل يكون متبادلاً. يضيف أنّ العناق الحارّ مع تقبيل الخدّ هي تحية أخرى تعبّر عن المحبة والشوق، خصوصاً لمن طال البعد بينهم، وهناك المصافحة وضرب الأكتاف بخفة أو تقبيل الكتف. يتابع المحسن: "افتقدنا كلّ هذه التحيات في لقاءاتنا ودواويننا بسبب فيروس كورونا. عدد كبير من شيوخ القبائل والوجهاء فرضوا على أتباعهم وفي دواوينهم ومضائفهم التوقّف عن المصافحة إلى حين القضاء على الفيروس تجنّباً للعدوى". المحسن يعرب عن اعتقاده أنّ "المجتمع سيواجه صعوبة في العودة إلى التقاليد السابقة بعد القضاء على كورونا، في ظلّ الخوف الذي ترسخ بين الناس من خطر العدوى بالفيروس".
بالإضافة إلى التحية، يقول المحسن إنّ عادة تقديم القهوة وتناولها تغيّرت أيضاً، موضحاً: "جرت العادة أنّ يحمل النادل في الدواوين والمضائف ثلاثة أو أربعة فناجين، ليقدّم القهوة للحاضرين، ويشرب من الفنجان الواحد أكثر من شخص. لكن مع انتشار الفيروس، يرفض كثيرون شرب القهوة بالفنجان نفسه الذي شرب منه شخص آخر. وهكذا، يحرص المستضيفون على أن يقدموا القهوة لضيوفهم بفناجين خاصة".
وفي وقت يرى عراقيّون أنّ العادات التي تغيّرت بفعل تأثيرات فيروس كورونا مؤقتة، وستعود تدريجياً بعد القضاء على الفيروس، يعتقد آخرون أنّها رسخت لثقافة منع انتشار العدوى بالفيروسات. ويقول عضو مجلس شيوخ عشائر بغداد، سعد العقابي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "العراقيّين يلتزمون بمرجعيتهم القبلية التي لها أهمية كبيرة لديهم. لذلك، تجدهم يتفاخرون بإرفاق ألقاب عشائرهم مع أسمائهم. ولدى العائلة حرص كبير على تعليم أبنائها احترامها القبيلة وكبارها وتقاليدها. لذلك، فعاداتنا باللقاءات والتحية والاختلاط لا يمكن وضع نهاية لها". لكنّ العقابي، على الرغم من أنّه يعتقد بعدم زوال العادات بفعل عدوى كورونا، يرى أنّ "هذه العادات ستتطلّب وقتاً حتى يعود المجتمع لممارستها" ويعلق: "كان تأثير كورونا كبيراً علينا".
تقاليد النساء في إلقاء التحية قد تكون أكثر خطراً من تقاليد الرجال
من جهة أخرى، يرى عراقيون أنّه كان للفيروس بعض الإيجابيات، منها زيادة الوعي بين المواطنين حول أثر عدوى أيّ مرض على المجتمع. وتقول الطبيبة المتخصصة بأمراض الجهاز التنفسي هدى أحمد إنّ "المصابين بالفيروس باتوا يعلمون مدى خطورة اختلاطهم مع الآخرين. لذلك، يحرصون على حجر أنفسهم وعدم الاختلاط إلى حين التعافي، الأمر الذي ينسحب على غير المصابين الذين يتجنبون زيارة مصاب بالفيروس أو الاختلاط به". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أنّ "هذه ثقافة صحية اكتسبها المجتمع ولم تكن موجودة سابقاً إلّا لدى عدد قليل من المواطنين، وهو ما كنا نعاني منه"، مشيرة إلى أنّ المصابين بالإنفلونزا أو أيّ فيروس آخر لم يكونوا يبالون بالاختلاط وحضور مناسبات عامة بسبب التزامهم بالتقاليد، علماً أنّ ذلك يتسبب بنقل العدوى لآخرين.
وللنساء أيضاً تقاليدهن خلال إلقاء التحيات التي قد تكون أكثر خطراً من تحيات الرجال على الصحة في حال المرض، بحسب الصحافية المتخصّصة في الصحة والبيئة، أفياء محمد. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحميمية لدى النساء تفوق الرجال. كما أنّ الالتزام بالتقاليد أكبر من الرجال"، موضحة: "تحرص النساء في مجتمعنا على إلقاء التحية من خلال تقبيل الخدود قبلات عدة، حتى إن كان اللقاء يومياً كلقاء الجارة بجارتها، فضلاً عن تقبيل القريبات من أفراد الأسرة وأفرادها، لا سيما أبناء الأخوات والإخوة والأحفاد". تضيف: "أجزم أنّ هناك تراجعاً كبيراً في تطبيق هذه العادات بين النساء، إذ يحرص بعضهن على ألّا يكنّ سبباً في نقل الفيروس إلى الآخرين، على الرغم من درايتهن بعدم إصابتهن بالفيروس". وترى أنّ "هذا الأمر أثّر كثيراً على عادات النساء في التحية". وبينما تعتبر أنّ العادات ستعود حتماً بعد القضاء على الفيروس فإنّها تؤكد أنّها "ستحتاج إلى وقت ربما يكون طويلاً".