استمع إلى الملخص
- يُعتبر استقبال الطلاب اللبنانيين خطوة إنسانية وسياسية لتحسين صورة العراق، حيث أعفت جامعات وكليات خاصة الطلاب اللبنانيين من رسوم الدراسة، مما يعزز موقف العراق دولياً.
- تواجه المدارس العراقية تحديات مثل زيادة أعداد الطلاب واختلاف السلوكيات، مما يتطلب توفير بيئة داعمة تراعي الظروف النفسية والمادية للطلاب اللبنانيين وتعزيز التفاهم بينهم وبين الطلاب العراقيين.
استقبلت مدن العراق عبر منفذ القائم الحدودي مع سورية والمطارات في بغداد والنجف والبصرة، الآلاف من اللبنانيين الوافدين، ومن بينهم طلاب أصدرت وزارة التربية تعليمات بتسجيلهم في المدارس والجامعات.
أمر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في بيان رسمي أصدره، باستقبال اللبنانيين الوافدين إلى العراق، وتوفير كافة التسهيلات لدخولهم البلاد، باستخدام بطاقة التعريف الخاصة بهم فقط إذا لم يتوفر جواز سفر.
جاء القرار بعدما وصل نحو 10 آلاف لبناني إلى العراق في الأيام الماضية، هرباً من العدوان الإسرائيلي على بلدهم.
وظل مصير الطلاب اللبنانيين في العراق مجهولاً، حتى أصدرت وزارة التربية تعليمات باحتضانهم في المدارس والجامعات، وإكمالهم الدراسة من الصفوف التي وصلوا إليها في لبنان، وذلك استناداً إلى كتاب تعهد من ولي الأمر بسبب تعذّر جلب وثائق رسمية تثبت بلوغ الطلاب مراحل دراسية معينة. وشملت التعليمات أيضاً فتح صفحة قيد عام لهم، وفي حال نجحوا في مراحل الصف السادس الابتدائي والثالث المتوسط أو السادس الإعدادي يجري تزويدهم بوثائق مدرسية استناداً إلى المادة 20 من نظام الامتحانات العامة.
يقول الدكتور عصام المعموري لـ"العربي الجديد": "تثبت هذه الخطوة الإنسانية البحتة أهمية الدور الذي يلعبه العراق في أحداث المنطقة، تمهيداً لتغيير صورته أمام الدول التي لم تعد تثق في الاستقرار الأمني والاجتماعي في ربوعه". يضيف: "حالياً تكاد تخلو الجامعات في العراق من الطلاب العرب والأجانب بسبب الحروب التي شهدها، والتي أثرت سلباً على سمعته، وخلّفت انطباعاً بأنه بلد لا يصلح للعيش ولا التعلّم، ما جعل طلابه في عزلة تامة عن أقرانهم العرب والأجانب، وأطفأ الشغف في التطلع إلى ثقافات الآخرين والإفادة من تجاربهم".
ويشير إلى أن "وجود طلاب لبنانيين يُساهم في نقل صورة حقيقية وآمنة عن الاستقرار الأمني والاجتماعي والفكري الذي يعيشه العراق، وأنه بلد مضياف يُرحّب بطلاب البلدان، تحديداً تلك التي تعرضت لحروب أخيراً".
يقول الباحث في العلوم السياسية، عبد الله ناهض، لـ"العربي الجديد": "دخول طلاب لبنانيين العراق وتسجيلهم في مدارس يعكسان جانبين مهمين: الأول إنساني اجتماعي، والثاني سياسي اقتصادي".
يضيف: "التوجه الحكومي والقرارات الخاصة بالنازحين اللبنانيين التي أصدرها رئيس الوزراء إنسانية وسياسية في الوقت ذاته، من أجل تعزيز وتقوية موقف العراق أمام الدول العربية والأجنبية".
وأعفت عدة جامعات وكليات خاصة في العراق الطلاب اللبنانيين من رسوم الدراسة للعامين الحالي والمقبل، سواء أولئك الموجودين أساساً في العراق أو القادمين حديثاً، ما يتماشى مع دعوة الحكومة المؤسسات التربوية إلى تقديم مبادرات في هذا الشأن.
وترحب مسؤولة الهيئة التدريسية في مدرسة النور الابتدائية أمل كاظم بالطلاب اللبنانيين، وتخاطبهم في حديثها لـ"العربي الجديد" بالقول: "هذا بلدكم الثاني. البلدان العربية تتعرض لحروب بين حين وآخر، ويجب أن نقف مع كل من يطلب مساعدة منا. ولا ننسى أن مدننا عرفت أوضاعاً مماثلة عند دخول تنظيم داعش وخلال حرب عام 2003". لكنها تستدرك بالقول: "لا بدّ أن أقف قليلاً عند نقاط قد ترهق المستوى التعليمي، أولها زيادة أعداد الطلاب في وقت لا تستطيع مدارسنا استيعاب أعداد كثيرة، وتطبق نظام الدوام المزدوج، كما أن هناك اختلافاً في السلوك بين الطلاب اللبنانيين والعراقيين، ويجب التنبه أيضاً إلى احتمال أن يزيد تقديم تسهيلات وامتيازات للطلاب اللبنانيين تذمر الطلاب العراقيين وأولياء أمورهم، وتجعلهم محبطين نوعاً ما. وإدارة المدارس لا تستطيع أن تمنع القرارات التي تصدرها الحكومة ووزارة التربية".
تتحدث أم طالبة لبنانية في محافظة كربلاء (جنوب) تدعى أم إيليا لـ"العربي الجديد" عن أن "ما تعرّض له أطفالنا قاس جداً. وحتى الآن تعاني ابنتي إيليا من صدمة الانفجار الذي حدث أمام منزلنا، واليوم نحظى بعدما نزحنا إلى كربلاء بعناية واهتمام كاملين، أما مصير ابنتي التي تبلغ 13 عاما، وهي في الصف السابع، فمجهول. ورغم أن وزارة التربية العراقية أعلنت استقبال الطلاب اللبنانيين في المدارس لا أزال أخشى أن تفارقني ابنتي لحظة واحدة".
تتابع: "نحتاج إلى وقت لاستيعاب ما جرى، وبالتأكيد سندخل إيليا إلى مدرسة كي تكمل تعليمها مع قريناتها، وهي ستكون ملزمة بارتداء الزي الإسلامي المختلف تماماً عمّا كانت ترتديه في مدرستها، لكن ما يجري حالياً وضع مؤقت سينتهي قريباً".
وكان المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد قال: "بدأت إجراءات تسجيل التلاميذ والطلاب اللبنانيين في العراق منذ الأسبوع الأول لدخولهم، ولا تزال أعدادهم قليلة". وأشار إلى أن "وزارة التربية تتوقع زيادة عدد الطلاب في الأيام المقبلة بعد استقرار العائلات في أماكن إقاماتهم. والحكومة ستستقبل جميع الطلاب، أكانوا يملكون وثائق تثبت مراحلهم الدراسية، أو لا يملكونها، باعتبارهم قدموا إلى البلاد في وضع استثنائي، وستحدد لهم فترة زمنية لإثبات ذلك".
تشدد الباحثة الاجتماعية بتول إبراهيم على ضرورة التعامل بحذر مع الطلاب اللبنانيين، ومراعاة ما تعرّضوا له في هذه الحرب بعدما فقدوا منازلهم ومدارسهم. تقول لـ"العربي الجديد": "يحتاج استقبال المدارس الحكومية الطلاب اللبنانيين إلى معاملة خاصة من المعلمين والأساتذة، لأنهم متضررون مادياً ونفسياً. أيضاً يختلف المنهاج التدريسي الخاص بهم، ما يتطلب مهارات في إيصال المعلومات. أيضاً يجب خلق بيئة للصداقة والتقارب في وجهات النظر بينهم وبين أقرانهم، وزيادة أساتذة علم النفس والباحث الاجتماعي".