العنف الأسري في العراق: جرائم خلف أسوار المودة

25 سبتمبر 2024
سيدة عراقية تندد بإحدى جرائم العنف الأسري في أربيل، 29 مايو 2014 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد العنف الأسري في العراق: شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في حالات العنف الأسري، متأثرة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، رغم جهود الدولة لزيادة الوعي وحماية الأسر.

- قصص مؤلمة وتأثيرات نفسية: تعاني الأسر المعنفة من آثار طويلة الأمد، مثل حالة خولة الدايني ورشيد مزهر، مما يعكس تدهور الثقافة الأسرية حتى بين الأسر المثقفة.

- أسباب وتداعيات العنف الأسري: يعزو المختصون انتشار العنف إلى الظروف الاقتصادية، الأعراف الاجتماعية، وضعف القوانين، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية وجسدية خطيرة، ويؤثر سلباً على الأطفال.

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في العنف الأسري داخل أوساط المجتمع العراقي، ضاعفتها التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الأسر، وبينما تسعى الدولة لتوفير المزيد من الوعي لحماية الأسر من التفكك، غير أن القصص المأساوية لجرائم العنف الأسري والتي تتأثر بها النساء والأطفال لم تنته، بينما تسجل البيانات تصاعداً في انتهاك علاقات المودة بما يهدد أمن وسلامة المجتمع.

في حياة الأسر المعنفة قسط من الآلام تترك آثارها على أصحابها رغم مرورو السنين. خولة الدايني، المتزوجة منذ أكثر من عشرة أعوام ولديها ثلاثة أطفال، إحدى النساء المعنفات، تعرضت لكسر في قدمها ورضوض بأنحاء من جسدها جراء ضرب مبرح على يد زوجها، أوضحت سبب تعنيفها قائلة لـ"العربي الجديد": "كل ذلك حصل لأنني اشتريت بعض الحاجيات المنزلية التي اعتبرها زوجي غير ضرورية"، لافتة إلى أن ردّ فعل زوجها كان ضربها بعصا غليظة، ما أدى إلى سقوطها عن السلم الداخلي للمنزل. ورغم تدخل إخوة الدايني إلا أن الأزمة تطورت وتحولت إلى خلاف عائلي وشجار انتهى بتوقيف عدد من أفراد الأسرتين في مركز الشرطة ليومين.

للرجال نصيب من الألم أيضا، وهو ما يرويه لـ"العربي الجديد" رشيد مزهر (39 عاماً)، وهو أب لولدين، مبيناً أنه عنّف زوجته بالكلام كونها أهملت إعداد وجبة الغداء وطلبت طعاماً جاهزاً من المطعم. لكن ردّ فعل الزوجة كان أعنف، حيث ألقت عليه أبريق الشاي الساخن، ما أدى إلى حروق من الدرجة الثانية في أجزاء من وجهه ورقبته وصدره، بحسب ما يروي، وبتدخل أطراف أخرى أعادها إلى ذمته بعدما رمى عليها يمين الطلاق.

العنف الأسري أصبح ظاهرة متفشية بشكل واسع في المجتمع العراقي

من جهتها، تلفت حنان أحمد، الناشطة في مجال حقوق الأسرة والطفل، إلى أن العنف الأسري أصبح ظاهرة متفشية بشكل واسع، معربة عن استغرابها أن ذلك "بات يشمل الأسر التي توصف بالواعية والمثقفة". حنان، وهي صحافية تنشط في العمل لصالح منظمات إنسانية مدنية، أوضحت لـ"العربي الجديد"، أنه "من السائد في السابق أن العوائل التي يحمل أربابها درجات علمية عالية تشتهر بسلوكها المتحضر البعيد عن العنف في التعامل سواء داخل الأسرة أو خارجها". وتابعت: "لكن هذا وللأسف لم يعد موجوداً اليوم. تصلنا شكاوى من زوجات يحملن شهادات دراسية عالية يتعرضن هن أو أطفالهن للعنف من قبل أزواجهن الذين أيضاً يحملون شهادات علمية رفيعة وفي مناصب ووظائف مرموقة".

 

ويرجع مختصون أسباب انتشار العنف الأسري إلى عدة أمور، مؤكدين على ضرورة شيوع التثقيف الأسري واعتماد خطط تأهيلية للأزواج الجدد، حيث تقول الباحثة الاجتماعية داليا السامرائي لـ"العربي الجديد"، إن الأسباب التي تقف وراء انتشار ظاهرة العنف الأسري في العراق أبرزها الظروف الاقتصادية الصعبة، بما في ذلك البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، التي تساهم في زيادة التوتر داخل الأسر، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم حالات العنف.

سبب آخر هام يؤدي إلى ارتفاع العنف الأسري هو الأعراف الاجتماعية، بحسب السامرائي، التي تقول إن العادات والتقاليد الاجتماعية في بعض المناطق تعزز السيطرة الأبوية، وهو ما يساهم في تطبيع العنف باعتباره وسيلة للحفاظ على النظام الأسري، لكنها تشير إلى أن "كل الأسباب تصب في محصلة واحدة هي انعدام أو ضعف الثقافة الأسرية لدى الأزواج، وهذه مشكلة خطيرة جداً، على عكس ما كان عليه الحال قبل عقود، حيث كانت الثقافة الأسرية مرتفعة حتى لدى الأزواج قليلي التعليم". من جانب آخر، تلفت السامرائي إلى وجود "ضعف في القوانين الخاصة بالعنف الأسري، مع عدم وجود تشريعات قوية وشاملة تمنع الإفلات من العقاب".

أمراض سببها العنف الأسري

من جهته، يقول محمد قاسم، المختص في الطب النفسي، لـ"العربي الجديد"، إن العنف الأسري ينطوي على مخاطر وتداعيات خطيرة أخذت تؤثر على الأفراد والمجتمع في العراق بشكل عام، لافتا إلى أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً ومتزايداً بالحالات المرضية النفسية من جراء العنف النفسي، الذي يلحق ضرراً نفسياً كبيراً بالضحايا، وخاصة النساء والأطفال، مبيناً أنه من أبرز ما يتسبب به العنف الأسري "المعاناة من اضطرابات القلق، والاكتئاب، وانعدام الثقة بالنفس، والقلق والأرق والكآبة، ويصل الأمر إلى التفكير بالانتحار"، مضيفا: "رأيت حالات عديدة للعنف الأسري أدت إلى إصابات جسدية وتشوهات، أما الحالات النفسية المتولدة عن العنف الأسري فتؤدي في بعض الحالات إلى مشاكل صحية وجسدية، مثل ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل القلب، وكل هذه الحالات موجودة في العراق".

ويواصل قائلاً "لمست أثراً سلبياً لدى الأطفال الذين ينشأون في بيئة أسرية عنيفة، إذ يعانون من مشاكل سلوكية واجتماعية أثرت على تعليمهم وتفاعلهم مع المجتمع، وليس مستبعداً أن يؤدي إلى مشاكل في علاقاتهم الشخصية في المستقبل".

وفي مايو/أيار الماضي، كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد مقداد ميري، خلال مؤتمر صحافي، عن إحصاءات صادمة متعلقة بالعنف الأسري، مشيرا إلى أن دعاوى العنف الأسري المسجلة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2024 بلغت 13857 دعوى، غالبيتها تتضمن شكاوى من عنف بدني، موضحا أن مديرية حماية الأسرة والطفل في الوزارة لديها دراسة بدأت منذ عام 2019 ولغاية 2023، أشارت إلى وجود ارتفاع بظاهرة العنف في المجتمع، لافتا إلى أن أسباب ذلك ترجع إلى "تغيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية وفهم خاطئ للدين وتفشي البطالة وانفتاح غير متقن على مواقع التواصل الاجتماعي الذي شجع على ازدياد العلاقات غير الشرعية خارج منظومة الزواج، ما أدى إلى زيادة حالات الخيانة الزوجية، فضلاً عن زيادة حالات تعاطي الكحول والمخدرات بشكل كبير".

وأوضح ميري أن عدد الإناث اللاتي تعرضن للعنف الأسري كان أعلى من الذكور، حيث كانت نسبة الاعتداءات على الإناث 73%، فيما بلغت نسبة الذكور المتعرضين للعنف الأسري 27%، مشيراً إلى أن أكثر أنواع العنف الأسري شيوعاً هو العنف الجسدي، حيث بلغ من مجموع الدعاوى 46%.

المساهمون