القامشلي السورية تتنفس الدخان الأسود

06 اغسطس 2022
تلوّث بيئي كبير في القامشلي بسبب السيارات والمولدات (سلام حسن)
+ الخط -

تعلو مدينة القامشلي المكتظة التي تقع في محافظة الحسكة شمال غربي سورية، غيوم سوداء يشاهدها القادمون من بعيد، ومصدرها الدخان المنبعث من مولدات الديزل، وعوادم السيارات. 
تحوّل التلوّث الكبير الناتج من احتراق وقود الديزل المكرر بطرق بدائية، الذي يبعث دخاناً كثيفاً مقارنة بالأنواع المكررة بحسب معايير الجودة المعتمدة عالمياً، إلى مشكلة للسكان، وبات السبب الرئيس في انتشار أمراض الحساسية الصدرية لديهم، كذلك فإنه مصدر إزعاج كبير لهم في فصل الصيف تحديداً.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تخبر نسرين الأحمد التي تعيش في حيّ الكورنيش، وتعاني مثل باقي سكان مدينة القامشلي من التلوّث، "العربي الجديد"، أن التلوّث البيئي كبير جداً في القامشلي، بسبب دخان العدد الكبير من السيارات والمولدات. وتقترح بالتالي استبدال هذه المولدات بأخرى بلا صوت وذات انبعاثات قليلة لتخفيف التلوّث والضجيج المزعجين. تقول: "أصاب بضيق تنفس عندما أذهب إلى السوق وأعود. أعتقد أنّ الحال السائدة تستدعي إطلاق حملات تشجير لزيادة الغطاء النباتي، واستعمال أصحاب السيارات مازوت وبنزين نظيفين، فالسكان يعانون كثيراً من التلوّث الذي تظهره غيوم الدخان الأسود الكثيفة في السماء". تضيف: "يشغل جيران لنا مولد كهرباء 24 ساعة يومياً، فلا نستطيع فتح أبوابنا خوفاً من الإصابة بأمراض سرطانية أو رئوية. ونحن نطالب الجهات الرسمية، سواء الإدارة الذاتية أو المنظمات، بمعالجة هذا الوضع عبر وضع المولدات في مكان بعيد من السكن، علماً أننا نشتكي أيضاً من الكلفة الباهظة لمعاينة الطبيب، وارتفاع أسعار الأدوية".

على الحمار أفضل (سلام حسن)
على الحمار أفضل (سلام حسن)

ومع ارتفاع حرارة الجو، تزداد معاناة سكان القامشلي، كما تؤكد سلاف العلي التي تقول لـ"العربي الجديد": "تشهد القامشلي جواً حاراً حالياً، ولا نستطيع أن نتنفس هواءً نقياً بسبب دخان السيارات والمولدات، ونوعية البنزين والمازوت الرديئة. ويؤثر ذلك أيضاً بالحدائق التي يبست معظم أشجارها. وندعو الجهات المعنية إلى تشجيع التشجير، ومكافأة من يقوم بذلك من أجل الحصول على هواء نقي". تضيف: "من يرَ المدينة من الخارج، يشاهد غيوماً سوداء مخيفة. وقد بدأ تأثير التلوّث يظهر جلياً على سكان المدينة الذين يتجمعون في العيادات الطبية للحصول على أدوية تناسب أمراض الحساسية التي باتوا يعانون منها بسبب التلوّث بالدرجة الأولى".
ويوضح الطبيب عبد الرحيم رمضان أحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أمراض حساسية الأطفال انتشرت في شكل كثيف في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها التهاب القصبات التحسسي، أو الربو الناتج من الملوثات البيئية التي تعزز فرص الإصابة". يضيف: "تنتشر المولدات في القامشلي. وفي ظلّ عدم إمكان استبدالها بسبب فائدتها، فإنّ أضرارها كبيرة بسبب الانبعاثات التي تزيد نسب التلوّث، وبالتالي نسبة الحساسية. إلى ذلك، يعمل عدد كبير من السيارات على مادة الديزل، فتبعث كميات كبيرة من المواد التي تزيد أمراض الحساسية. أيضاً، لا مياه صالحة للشرب في القامشلي، ما ينشر السلمونيلا وفيروسات الروتا التي توجد في المياه الملوّثة نتيجة الدخان ومبيدات الحشرات التي تستعمل بكميات كبيرة، وتسبب أمراضاً كثيرة للأطفال".

تنتشر أمراض الحساسية الصدرية بين السكان (سلام حسن)
تنتشر أمراض الحساسية الصدرية بين السكان (سلام حسن)

ويطالب رمضان الإدارة الذاتية "بجمع مولدات الكهرباء وإخراجها من المدينة، وتزويدها بعوادم تحتوي على فلاتر تخفف درجات التلوّث. أما في شأن مياه الشرب غير النظيفة، فيجب أن يشرف عليها كادر متخصص، وكذلك مهندسون زراعيون على إنتاج الأغذية". ويصف الحساسية بأنه "مرض العصر في القامشلي، إذ إن نسبة مراجعي العيادات كبيرة، والفيروسات تتطور بحسب التلوّث".
وعن محاولة مرضى معالجة أنفسهم ذاتياً لتفادي الزحمة في عيادات الأطباء، يرى رمضان أن "العلاج العشوائي ليس حلاً، والإهمال الطبي يجعل الحساسية مزمنة، والشفاء منها أكثر صعوبة".
من جهته، يؤكد المهندس البيئي محمد إسماعيل لـ"العربي الجديد" أن تأثيرات التلوّث بعيدة ومستدامة، وتظهر التداعيات المباشرة على سكان مدينة القامشلي من خلال الأمراض الصدرية الناتجة من الانبعاثات الكربونية والجزيئات الدقيقة التي تنتج من الاحتراق غير الكامل للوقود. وقد تعلق بعض هذه الانبعاثات في التربة، وتترسب إلى عمق الأرض مع تساقط الأمطار. 
يضيف: "لا تقتصر المخاطر الأساسية للانبعاثات على نشر الغازات الأحادية وثاني أكسيد الكربون، فبين الغازات الأشد خطورة النتروجين وأكسيد الكبريت، وهي ضارّة للغاية، وتسبب ضباباً دخانياً، وتشكل أحماضاً عند حرقها". 

دخان أسود كثيف من احتراق وقود المولدات (سلام حسن)
دخان أسود كثيف من احتراق وقود المولدات (سلام حسن)

ويلفت إلى أن "معظم السيارات المستخدمة في القامشلي خصوصاً، وسورية عموماً، قديمة الطرز، ولم تعد تجهيزاتها قادرة على منع انتشار الجسيمات المحترقة الدقيقة في الهواء. أما المولدات، فمعظمها غير مجهزة بعوادم تقلل الانبعاثات". ويوضح إسماعيل أنّ "من بين الحلول الجزئية المتوافرة في ظل صعوبة استبدال المولدات، تزويدها بعوادم جيدة، وإجراء صيانة دورية لها بهدف مراقبة مستويات الانبعاثات، واستخدام أنواع وقود جيدة تحترق بالكامل داخل المحركات". ويؤكد ضرورة إبعاد المولدات عن المناطق السكنية لتقليل أضرارها على الناس.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتضم مدينة القامشلي التي تأسست خلال فترة الانتداب الفرنسي 21 حياً، ويعيش فيها خليط من العرب والأكراد والسريان والأرمن الذين يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم.

المساهمون