فرض تفشّي فيروس كورونا التعليم عن بعد، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية للحدّ من انتقال العدوى في كلّ أنحاء العالم. لكنّ سجالاً يقوم اليوم في الكويت، إذ ثمّة من يرى فشل هذا النوع من التعليم.
يطالب خبراء التعليم في الكويت ومدرّسون بعودة العملية التعليمية في المدارس بأيّ ثمن ولو جزئياً، بهدف إنهاء الوضع السيّئ الذي يعانيه التعليم في البلاد وسط أزمة كورونا، وفق ما يقولون. ويأتي ذلك وسط تصاعد الجدال ما بين الإدارات التعليمية والسلطات الصحية بشأن عودة التلاميذ إلى المدارس. ويؤكد عدد من هؤلاء الخبراء لـ"العربي الجديد" أنّ الفصل الدراسي الأّول الذي انتهى بنسبة نجاح تلامس 100 في المائة في كلّ المراحل الدراسية دليل واضح على فشل التعليم عن بعد، بسبب عدم جدية التلاميذ وعدم التزامهم باللوائح ولجوئهم إلى الغشّ في الاختبارات التي تُقام عن بعد بمساعدة عائلاتهم، بالإضافة إلى عدم تمكّن المدرّسين من تعليم التلاميذ في المراحل الابتدائية بطريقة كافية.
وكانت وزارة التربية في الكويت قد شكّلت لجنة للتواصل مع السلطات الصحية، طالبة منها إطلاق خطة لتحصين المدرّسين بعد منحهم أولوية في ما يخصّ لقاحات كوفيد-19 والتنسيق مع فرق طبية مختصة لإعداد العدّة من أجل عودة التلاميذ إلى المدارس، على الأقل تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد تحصين مدرّسيهم، خصوصاً أنّ اللقاحات لا تصلح لمن هم دون 18 عاماً. لكنّ مصدراً مطّلعاً يشير إلى أنّ السلطات الصحية ترفض أيّ حديث عن العودة إلى المدارس في الفترة الحالية وطلبت من وزارة التربية ترتيب شؤونها في ما يخص التعليم عن بعد حتى مطلع عام 2022. ويؤكد المصدر الذي يشغل منصباً عالياً في الوزارة لـ"العربي الجديد" أنّه "كنّا نتوقع من السلطات الصحية أن تهتم بالعملية التعليمية ومنح العودة إلى المدارس الأولوية ولو بشكل جزئي مثلما سمحت بعودة العمل في المطاعم والمقاهي والمجمّعات التجارية. لكنّ التعليم بحسب ما يبدو هو آخر اهتمامات السلطة الصحية لدينا، مع الأسف الشديد". يضيف المصدر نفسه أنّه "مع تشديد الإجراءات وإعادة إغلاق النوادي الصحية والصالونات، فإنّ الأمل بالعودة الجزئية للتلاميذ إلى المدارس في الفصل الدراسي الثاني قد تلاشت، ولم يتبقَ أمامنا إلا تحسين التعليم عن بعد وفرض قرارات أكثر صرامة في ما يخصّ مسألة الغش وارتفاع نسب النجاح بطريقة غير منطقية".
في السياق، تقول عائشة عبد المحسن، مدرّسة مرحلة متوسطة في إحدى المدارس الحكومية التابعة لمنطقة العاصمة التعليمية، لـ"العربي الجديد" إنّ "الدراسة عن بعد أمر غير مجدٍ بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين. هذا بالنسبة إلى العالم. أمّا بالنسبة إلى الكويت، فإنّ التدريس عن بعد كارثة كبيرة، لأنني أكتشف في كلّ يوم أنّ أمهات التلاميذ الصغار وآباءهم هم الذين يحلّون الواجبات ويخضعون للامتحانات بينما الأطفال يلعبون". تضيف عبد المحسن أنّه "لا بدّ من وقف التعليم الإلكتروني بأيّ ثمن والعودة إلى مقاعد الدراسة، خصوصاً في المرحلة الابتدائية. وعلى وزارة الصحة أن تجد حلاً بدلاً من الانشغال بالسماح للمطاعم بالعمل".
من جهته، يقول عبد العزيز العتيبي، مدير مدرسة حكومية ثانوية، لـ"العربي الجديد" إنّ "السلطات الصحية تنحر التعليم وتساهم في تخريج أجيال غير متعلمة ناجحة من دون وجه حق". ويشير العتيبي إلى أنّه اجتمع مع عدد من المدرّسين والمدرّسات وقرروا وقف ما وصفه بـ"الانتهاكات" التي تطاول العملية التعليمية، مضيفاً أنّ "المجتمعين عمدوا بالتنسيق مع فريق من الأطباء والمختصين في الصحة الوقائية إلى وضع معايير وخطط صحية تسمح بالعودة القريبة إلى المدارس، ورفعها إلى وزارة التربية التي ترفعها بدورها إلى السلطات الصحية ووزير الصحة الدكتور باسل الصباح". ويوضح العتيبي أنّ "الفريق التعليمي الطبي خلص إلى عدد من التوصيات، أهمّها حملة تحصين شاملة لنحو 88 ألف مدرّس ومدرّسة وعودة التلاميذ إلى المدارس مع الالتزام المشدّد بالإجراءات الصحية، وأبرزها وضع الكمامة والتباعد الجسدي".
أمّا الدكتور حسين دشتي، وهو أحد الأطباء الذي ساهموا بصياغة المقترحات التي رفعت إلى السلطات الصحية، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "تركيز التحصين على المدرّسين سيضرب عصفورَين بحجر واحد، إذ سيؤدّي إلى تحصين نسبة لا بأس فيها من سكان الكويت، بالإضافة إلى أنّه سيحلّ المشكلة التعليمية بالكامل. وهكذا، مع الإجراءات الصحية المتبعة، فإنّ فيروس كورونا سيكون بعيداً عن القطاع التعليمي".
على الرغم من ذلك، تواصل وزارة الصحة في الكويت تجاهل نداءات القطاع التعليمي، وقد أكّدت في أكثر من مرّة أنّ العودة إلى التعليم لن تكون إلا بعد تحصين الأغلبية الساحقة من سكان الكويت باللقاحات، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل بطء وتيرة التحصين ورفض عدد كبير من الكويتيين الحصول على اللقاح بسبب الشائعات المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي حول أضراره. لكنّ المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور عبد الله السند كان قد أكّد في هذا الإطار أنّ "الرهان هو على وعي الشعب وثقته بالطواقم الطبية لاستمرار التسجيل في الموقع الالكتروني المخصص للتحصين".