يرفض أطباء وطبيبات كويتيون متخصصون في أمراض النساء والتوليد إجراء فحوص معيّنة للنساء العزباوات، لأنّ الكويت "دولة محافظة" وهذه تدخلات تخصّ النساء المتزوجات حصراً.
تعاني المرأة غير المتزوّجة في الكويت من تمييز في العلاج المقدّم في المستشفيات الحكومية بمبرّرات وأسباب متنوّعة يقدّمها الأطباء كما إدارات المستشفيات بناءً على تعاميم وقرارات قديمة كانت قد وضعتها وزارة الصحة قبل عقود، ولم تعمل الإدارات الجديدة للمستشفيات على إزالتها أو وقفها. تُضاف إلى ذلك أعراف مجتمعية تمنع أطباء كثراً من فحص أو علاج العزباوات في أقسام أمراض النساء والتوليد.
وهذا التمييز مستنكر من قبل ناشطين كثيرين. وفي هذا الإطار، تقول ناشطة نسوية فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة الصحة تمارس في مستشفياتها الحكومية تمييزاً كبيراً في حقّ النساء العزباوات، إذ يرفض الأطباء الكشف عليهنّ كشفاً داخلياً، وأخذ مسحات مهبلية وإخضاعهنّ لسونار مهبلي (تصوير بالموجات فوق الصوتية)، علماً أنّ ثمّة التهابات لو تمدّدت ووصلت إلى الرحم قد تدفع إلى استئصاله". لكنّ أخطر أشكال التمييز بحسب الناشطة النسوية نفسها، هو "رفض وزارة الصحة إعطاء النساء العزباوات اللقاح الخاص بسرطان عنق الرحم، الذي من المفترض أن يشمل جميع النساء. لكنّ الوزارة تقصرها على المتزوّجات فقط، الأمر الذي يجعل العزباوات يتّجهنَ إلى المستشفيات الخاصة للتحصّن ضدّ فيروس الورم الحليمي البشري".
وتروي الناشطة نفسها واقعة تؤكد التمييز ضد المرأة المتزوّجة كذلك في العلاج، حينما قصدت مستشفى العدان الحكومي جنوبي البلاد للخضوع لعملية جراحية مستعجلة. فتقول: "لقد رفضوا إدخالي إلى غرفة العمليات إلى حين إحضار عقد الزواج، مع أنّ حالتي كانت خطرة وقد أُصبت بنزيف"، مضيفة باستهجان: "كأنّما حياتي كإنسانة غير مهمّة من دون إثبات صلاحي وأخلاقي من خلال عقد زواج!".
من جهتها، تقول الناشطة النسوية إسراء العميري الباحثة والمتخصصة في الدراسات الجندرية لـ"العربي الجديد"، إنّ "عيادة أمراض النساء في المراكز الصحية الحكومية تسمّى عيادة الأمومة، ومن خلال هذه التسمية نستنتج اقتصار مفهوم الصحة الجنسية للنساء (من وجهة نظر وزارة الصحة) على المتزوجات فقط، واقتصار خدماتها على الرعاية الإنجابية". تضيف العميري أنّ "إحدى الطبيبات في إحدى عيادات أمراض النساء ذكرت لي أنّ القانون يمنعها من تقديم الكشف والفحص اللازمَين لغير المتزوجات، وهذا الأمر يُعَدّ انتهاكاً لحقّ دستوري كفل الرعاية الصحية للجميع وتجاهلاً لقواعد صحية أساسية".
في سياق متصل، يقول طبيب متخصص في أمراض النساء فضّل عدم الكشف عن اسمه "نظراً إلى حساسية الموضوع"، إنّ "الأطباء يُحمَّلون الكثير في الحملات النسوية التي تستهدفهم، بالإضافة إلى أنّ ثمّة سوء فهم كبيراً". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأطباء والطبيبات يقدّمون العلاج الممكن لأيّ امرأة بغض النظر عن حالتها سواء أكانت متزوجة أم لا، لكنّ تقديم العلاج يأتي وفق لوائح وزارة الصحة وقراراتها وقوانينها، وأيّ طبيب يتجرّأ على مخالفتها يُعاقَب معاقبة شديدة ولا أحد يرغب في أن يُفصل من وظيفته بالتأكيد". ويتابع الطبيب نفسه: "حتى مع السماح بفحوص طبية في حالات معيّنة، فإنّ الطبيب لا يستطيع المغامرة في فحوص بحدّ ذاتها لأنّ فيها تخطياً للأعراف المجتمعية. ولو حدث خطأ لا سمح الله للمرأة غير المتزوّجة، فمن يحمي الطبيب من أسرتها؟ لا أحد". ويكمل الطبيب نفسه: "أؤكد أنّ كثيراً ممّا يُقال غير صحيح، والطبيب يعالج الجميع إنّما يرفض في بعض الحالات تجاوز اللوائح المحددة، وفي بعض الأحيان يقدّر الأمور انطلاقاً من مصلحته الشخصية".
ومن الجانب القانوني، يقول المحامي سعود الظفيري لـ"العربي الجديد" إنّ "الدستور الكويتي يؤكد حقّ الجميع، الذكور والإناث، بغضّ النظر عن الوضع الاجتماعي، في الحصول على العلاج، إذ نصّت المادة 15 من الدستور الكويتي على حقّ الرعاية الصحية من دون تمييز. وجاء فيها: تُعنى الدولة بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة". يضيف الظفيري أنّ "ما يحدث هو تعميمات مجهولة السند القانوني يصدرها مسؤولون في وزارة الصحة وفق أهوائهم الشخصية تمنع النساء من تلقّي العلاج اللازم، خصوصاً مع تضافر الأدلة الطبية والعلمية في ما يخصّ عدم التفريق في هذه العلاجات بين النساء المتزوجات وغير المتزوجات".
تجدر الإشارة إلى أنّ "العربي الجديد" حاولت التواصل مع وزارة الصحة والحصول على إفادات رسمية بشأن هذا الموضوع الذي يثير جدالاً، غير أنّ المعنيّين في الوزارة وكذلك مكتب وزير الصحة باسم حمود الصباح رفضوا التعليق والإجابة على أسئلة ذات صلة بالقضية.
وهذا "التمييز الصحي" لا يُعَدّ الوحيد الذي تتعرّض له المرأة في الكويت في هذا السياق، إذ إنّ قرارات سابقة لوزارة الصحة كانت تنصّ على حرمان المرأة، سواء أكانت أماً أو زوجة أو أختاً أو جدّة، من اتّخاذ قرارات خاصة بعلاج من في رعايتها، بناء على فتوى قانونية مقدّمة من إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء، والتي استندت إلى نصوص قانونية ودينية فُسّرت بمنعها المرأة من التصرّف الكامل بالرعاية الصحية لذويها. لكن في منتصف عام 2020، استطاع مجلس الأمة تمرير قانون سمح للمرأة الكويتية بحقّ الولاية الصحية على أبنائها فقط، فيما تطالب الناشطات بتوسيع الحقّ ومساواته بالحقّ الذي يتمتّع به الرجل، إذ يمكنه التوقيع نيابة عن والدَيه أو إخوته.