في حكايات ما قبل الخروج من فلسطين المحتلة، عام 1948، تروي حياة نمر أبو زيان، المتحدرة من طبريا والتي نزحت مع أهلها إلى لبنان حين كانت في العاشرة، لـ"العربي الجديد"، أنّ أمها طلبت منها ذات يوم الذهاب لشراء اللحم من ملحمة "أبو إلياس"، فرفضت بحجة أنّها لن تستطيع حفظ ما طلبته منها، فكتبت لها أمها ما تريده في ورقة، ثم سارت حياة إلى الدكان حيث وجدت جارهم "أبو إلياس" ملطخاً بالدماء على الأرض. وتقول: "اقتربت منه، ولامست يده فتلطخت بالدم، فخفت وركضت إلى البيت، وسألتني أمي أين اللحم؟ أجبت أنّ أبا إلياس مات، حينها أدركت أمي خطر اليهود".
تضيف: "امتلك والدي وأعمامي حافلات لنقل الركاب، وعملوا في طبريا حيث عاشوا مع اليهود. وبعد حادثة أبي إلياس، أدرك أهل البلدة أن اليهود سيدخلون بيوتنا. وعندما غادرنا توجهنا إلى بلدة سعسع. وعندما وصلنا سألت أمي عن طبلتي (دربكة، آلة موسيقية)، فأجابتني أنها تركت الذهب فيها في البيت، لأننا سنعود حين تهدأ الحال".
وتخبر حياة أنّ "بطش اليهود زاد، وبدأوا في الاعتداء على كلّ بلدة، فركبنا سيارة الشحن الخاصة بوالدي، وتوجهنا إلى بلدة رميش، جنوبي لبنان، حيث بتنا ليلة في الشارع، قبل أن نغادر إلى منطقة فيها مغارة مكثنا فيها. شعرنا بجوع، فأخرجت خالتي بعض الطحين، وعجنته مع أمي على صاج وأكلنا. وفي اليوم التالي توجهنا إلى صور (ساحل جنوبي لبنان) ثم القرعون (البقاع، شرق) ومنها إلى مخيم نهر البارد، شمالي لبنان.
تتابع: "قدمت لنا أونروا شادراً كبيراً فثبته أبي بالأرض، لكنّني لم أحبه، وكنت أهرب إلى شادر جيراننا لأنّه صغير ودافئ. ومع الوقت بدأ الناس يبنون الشوادر بطين وحجارة كي لا تطير، وعشنا فيها مدة طويلة". وتشير إلى أن والدها عمل على جرافة، أما إخوتها فكانوا ينقلون بضائع على متن الشاحنة التي أخرجت العائلة من فلسطين.
وعن التعليم، تقول حياة: "تعلمت حتى الشهادة المتوسطة، وصار أحد إخوتي أستاذاً، وعمل الثاني سائق شحن لتوفير المصاريف". تضيف: "تزوجت في مخيم نهر البارد، لكنّ زوجي عمل في بيروت فانتقلنا إلى مخيم برج البراجنة (الضاحية الجنوبية) حيث عملت في إعداد المغربية ولف الشوكولاتة، ما أتاح لنا بناء بيت".
تتمنى حياة العودة إلى فلسطين، لكنّها تستدرك أنّ "ذلك لن يحصل، وقد ذهبت إلى جنوب لبنان مرتين وشاهدت فلسطين عبر بوابة فاطمة، وأخذت من هناك حفنة من التراب، وعيدانا من شجر الزيتون وورق غار. وقابلت من داخل الشريط الحدودي للبنان آخرين تواجدوا داخل الشريط الخاص بفلسطين، لكنّني لم ألتقِ أقربائي، وتأملت في الوجوه التي ملأها الفرح بلقاء أقرباء بعد سنوات".