اللاجئون في ألمانيا... طاقات أثبتت جدارتها دراسياً ومهنياً

20 يونيو 2021
تنقل نكهات بلادها إلى الألمان (مايا هيتيي/ Getty)
+ الخط -

 

نجحت ألمانيا في الاستثمار في الطاقات الشابة التي وصلت إليها في خلال موجات الهجرة في الأعوام الأخيرة. وقد تمكّنت من إنجاز ذلك من خلال خطط اعتمدتها لفائدتها وكذلك لفائدة المهاجرين الذين طلبوا اللجوء إليها.

مع تدفّق المهاجرين طالبي اللجوء إلى ألمانيا في عام 2015، باشرت وكالات التوظيف مواجهة تحديات الهجرة لدمج أصحاب المهن من خلال عمليات تأهيل وتدريب وتعليم اللغة، حتى ينخرطوا بأسرع وقت ممكن بسوق العمل أو على الأقلّ البدء بخطواتهم الأولى. وهذا ما نجحت في تحقيقه فعلاً مدارس عدّة للتعليم المهني مع الاندفاعة التي تحلّى بها الوافدون الجدد، على الرغم من أنّ تفشّي فيروس كورونا الجديد عرقل نسبياً تطوير طاقات كثيرين منهم وحدّ من إرادتهم وطموحاتهم بفعل الإغلاق الذي شهدته البلاد وتسريح موظفين كثيرين.

تبيّن الدراسات والتقارير أنّ الاستراتيجيات المتّبعة أنتجت انسجاماً وأبرزت مؤهلات كثيرين من المهاجرين طالبي اللجوء، خصوصاً في القطاعات التي شهدت طلباً متزايداً في الأعوام الأخيرة، سواءً في المجال اللوجستي والخدمات ومبيعات التجزئة أو في القطاع الصحي والرعاية والمختبرات. وقد أنتج ذلك تعاون أقسام الموارد البشرية في المؤسسات والشركات أو مراكز تنسيق التدريب والهجرة، وما يسمى كذلك خدمة هجرة الشباب والبالغين مع المجالس المحلية التابعة للولايات. تُضاف إلى ذلك الجهود المبذولة من قبل وكالات التوظيف في المقاطعات لاكتشاف الكفاءات والبحث عن فرص عمل تناسب قدراتهم أو إعادة توجيههم نحو وظائف ومهن تلائم إمكاناتهم، خصوصاً أولئك المتسرّبين من المدارس والمعاهد في بلدانهم، لا سيّما أنّه يُطلب من هؤلاء تقديم شهاداتهم وخبراتهم العملية لإلحاقهم بشكل تدريجي في سوق العمل والاستغناء عن المساعدات الاجتماعية، وكذلك لتغطية نقص العمالة في قطاعات عدّة، من بينها تلك الزراعية والصناعية والتجارية. وقد ترافق ذلك مع اعتماد عدد من الإجراءات التشريعية الاتحادية في خلال الأعوام القليلة الماضية، من بينها تسريع طلبات اللجوء إلى تعليق فحص الأولوية للوصول المبكر إلى دورات اللغة والاندماج، بالإضافة إلى تجاوزالعقبات البيروقراطية مع تسريع آليات العمل بعدما تمّت الاستعانة بأعداد إضافية من الموظفين، وهو ما كان متعذّراً في خلال الفترة الأولى من توافد المهاجرين. وقد برزت حينها تحذيرات من الشركات تطالب السلطات بعدم ترحيل مهاجرين يخضعون لتدريب مهني في البلاد، وسط اعتراف القيّمين بأنّ الشركات والمهاجرين طالبي اللجوء اعتادوا بعضهم بعضاً بفعل الجهود المبذولة من قبل الطرفَين.

الصورة
لاجئ سوري يعمل في مخبز في ألمانيا (توماس نيدرمولر/ Getty)
الشعور بالغربة تبدّد (توماس نيدرمولر/ Getty)

أشارت وكالة الأنباء الالمانية إلى أنّ التعاون بين وزارة التعليم والبحث الاتحادية وبين عدد من الجامعات والهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (داد) من ضمن مشاريع تستهدف المهاجرين طالبي اللجوء، أثمر عن اعتماد دورات تدريبية أكاديمية مدّتها عام واحد في عدد من المجالات من بينها تكنولوجيا المعلومات، ويستفيد منها نحو 300 شخص سنوياً. وفي هذا الإطار، بيّنت وزيرة التعليم الاتحادية آنيا كارليشيك أنّ آلاف الطلاب اللاجئين نالوا شهادة الماجستير، وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية حصل أكثر من 30 ألف لاجئ على شهادات جامعية في ألمانيا. ورأت الوكالة أنّ ذلك يُعَدّ إنجازاً عظيماً للشباب الوافدين، وبات في إمكانهم نقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل، الأمر الذي سوف يشكّل أفقاً جيداً لأصحاب العمل في البلاد من خلال الاستفادة من عدد كبير من المتخصّصين. يُذكر أنّ السياسي كريستيان دور عن الحزب الديمقراطي الحر صرّح أخيراً بأنّ ألمانيا جاهزة لاستقبال نحو نصف مليون مهاجر في كلّ عام لأنّ الاستفادة من طاقاتهم ومؤهلاتهم تزيد من النموّ.

وفي هذا الإطار، بيّنت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية في وقت سابق، أنّه وفق دراسة لسوق العمل صادرة عن وكالة العمل الفيدرالية، فإنّ ثمّة رضى عن الاندماج، علماً أنّ لدى 360 ألف لاجئ عملاً منتظماً في ألمانيا منذ بدء حركة الهجرة من ثماني دول هي إريتريا ونيجيريا والصومال والعراق وسورية وأفغانستان وإيران وباكستان. في المقابل، بقي الرقم خجولاً بين النساء ، إذ بيّنت صحيفة "دي فيلت" الألمانية أخيراً، أنّ امراة من بين ثمانٍ تبحث عن وظيفة أو تدريب مهني، كما تقلّ مشاركة النساء في البرامج والاستشارات التي تقدّمها وكالة التوظيف الاتحادية، لافتة إلى أنّ الأمر يعود إلى التقاليد الثقافية ومعدّل التوظيفات المتدنّي للمرأة في بلدها الأصلي قبل الوصول إلى ألمانيا، لا سيّما أنّهن يفتقرنَ إلى خبرات العمل، عدا عن ارتفاع نسبة الإنجاب بين النساء المهاجرات.

يشير اللاجئ السوري مهند المتخصص في التصوير الإشعاعي، والذي وصل إلى ألمانيا في عام 2015، إلى أنّه استطاع التكيّف بسرعة مع أسلوب الحياة الجديد في ألمانيا، وقد تابع مع مكتب العمل الآليات والشروط المطلوبة للاعتراف بشهادته فيما خضع إلى دورات نظرية في إحدى المدارس ودورات للتطبيق العملي في أحد المراكز الصحية استمرّت نحو عام ونصف عام. وهي ساهمت فيما بعد في نجاحه في الامتحانات المطلوبة، وتُرجمت بحصوله على فرصة عمل. وهو اليوم يمارس مهنته في أحد مستشفيات هامبورغ، وقد حصل قبل أشهر عدّة على الإقامة الدائمة في ألمانيا.

بدروه، استطاع صديقه محمد بالإرادة والطموح والثقة في النفس التي يتحلّى بها، إبراز إمكاناته بعدما خضع إلى تدريب في أحد مستشفيات مدينة بريمن. فبرهن عن قدراته في مجال طب التخدير، وتُرجم ذلك لاحقاً بحصوله على وظيفة مكّنته من لمّ شمل عائلته. أمّا طارق الذي يحمل شهادة امتياز فني كهربائي وخبرة عملية استمرّت سبعة أعوام في السعودية ، فقد ثابر واجتهد في مجال عمله في خلال فترة تعلّمه اللغة الألمانية في شركة يديرها أحد أبناء الجالية العربية. وهو يعمل بالتوازي على إنجاز الوثائق وتصديق شهاداته لنيل اعتراف رسمي بإجازته. وبحكم النقص في هذا القطاع، فقد استحصل في خلال وقت قصير على وظيفة في إحدى الشركات الألمانية وبراتب شهري جيّد، استطاع بعدها مع زوجته تأمين كلّ متطلبات الحياة اليومية. واليوم، يهتم طارق بتعليم أبنائه في بلد وفّر له الاستقرار ومكّنه من تحقيق طموحاته في خلال فترة قصيرة.

الصورة
لاجئات أفغانيات واللغة الألمانية في ألمانيا (Getty)
البداية مع اللغة (Getty)

وعن الجهود التي بُذلت لتذليل العقبات، أشار ينس لسمان وهو المدير الإداري في دائرة ديبهولز للتدريب المهني التابعة لولاية ساكسونيا السفلى حيث يعيش نحو 4500 لاجئ، في حديث إلى موقع "كرايز تسايتونغ"، إلى أنّ "تعلّم اللغة كان أمراً ضرورياً للمهاجرين طالبي اللجوء لتسهيل التواصل وتعليمهم أسس التدريب والمصطلحات الفنية لأنّ الدروس النظرية جافة". أضاف أنّه "كان ثمّة تفضيل لدخول الحرفيين والمهنيين من المهاجرين الشباب في دائرته لفترة تدريب أطول". وفي هذا الإطار، رأى كونستانتين فون كوتشكوفسكي وهو مدير في غرفة التجارة والصناعة في الدائرة نفسها، أنّ "في البداية كانت ثمّة مبالغة في تقدير المهاجرين لأنفسهم، إلا أنّ الوضع تبدّل لاحقاً بعدما تعرّفوا إلى نظام التدريب لدينا، لأنّ الشركات تشترط متطلبات مهنية وتقنية". ولفت إلى أنّه "من وجهة نظر إحصائية، فإنّ نسبة العمّال المهرة بين اللاجئين تتزايد بشكل ملحوظ . وبعدما كانت بحدود 10 في المائة في عام 2019 بلغت اليوم 37 في المائة، علماً أنّ تباينات وتوقّعات غير مشجّعة سُجّلت في عام 2015 مع وصول أكثر من مليون مهاجر إلى البلاد".

وفي سياق متصل، أشار هربرت بروكر وهو باحث في شؤون الهجرة في معهد أبحاث التوظيف، إلى أنّه "بعد أربعة أعوام، صار 40 في المائة من هؤلاء اللاجئين يعملون بأجر إمّا بدوام كامل وإمّا بعقود محدّدة المدّة، مع العلم أنّ الاستثمار في دورات للغة يؤتي بثماره تدريجياً". أضاف أنّه في الوقت نفسه، فقط واحد في المائة من اللاجئين كانوا يتمتّعون بمهارات جيدة جداً أو جيدة في اللغة الألمانية عند وصولهم إلى ألمانيا. وافترض بروكر أنّ 10 في المائة من اللاجئين العاملين تضرّروا بشكل خاص وبشدّة من جرّاء أزمة كورونا وفقدوا وظائفهم، خصوصاً في مجالات الصناعة والعمل الفندقي والمطاعم وخدمات الأمن ورعاية المسنّين وشركات النقل نتيجة الإغلاق. وتوقّع أن تتعافى هذه القطاعات ويعود أصحاب الوظائف إلى أعمالهم. والأهم بحسب بروكر هو أنّ الهجرة جدّ مهمة لسوق العمل والطلب سوف يزادد على المدى المتوسط والبعيد مع تناقص أعداد من هم في سنّ العمل بمقدار 340 ألف شخص، فيما الهجرة وحدها قادرة على تعويض هذا التراجع وتثبيت نظام الضمان الاجتماعي.