تزداد حيرة التونسيين من تصاعد التحدي الشرس للتشريعات والقوانين المتعددة التي تحمي النساء، من خلال تعمد ارتكاب حوادث العنف التي تستهدفهن، ما يخلق حالة من الخوف العارم وغير العادي من البشاعة والفظاعات التي يتعرضن لها، وغالبيتهن زوجات يقعن ضحايا لعنف أسري متفلت من أيّ ضوابط. وتفيد إحصاءات رسمية بأنّ مستوى العنف ضد المرأة تضاعف خمس مرات خلال فترة فرض الحجر الصحي الذي ارتبط بتفشي وباء كورونا العام الماضي.
وتناقل التونسيون في الأسابيع الماضية أخبار جرائم بشعة ارتكبها أزواج ضد زوجاتهم وأبنائهم. وكان أكثرها فظاعة قتل طبيب في محافظة صفاقس طليقته وابنه الذي لم يتجاوز الـ13 من العمر، طعناً بآلة حادة، ثم أحرق مكان إقامتهما في محاولة لطمس معالم الجريمة، قبل أن تلاحقه أجهزة الأمن إثر فراره وتعتقله. كذلك أخضع زوج في ضاحية بومهل بمحافظة بن عروس المحاذية لتونس العاصمة، زوجته إلى تعنيف وحشي إثر خلاف على دفع النفقة، ثم اقتلع عينيها، وشوّه وجهها، وتركها في وضع صحي حرج جدا. وقبل أسابيع، قتل رجل في الخمسين من العمر زوجته أمام عيون أبنائهما في منطقة البحر الأزرق بضاحية المرسى في تونس العاصمة، في وقت لم يكن المجتمع التونسي قد تناسى بشاعة جريمة قتل شرطي في سلك الحرس بمحافظة الكاف (شمال غرب) زوجته بإطلاق النار عليها من مسدس يستخدمه في تنفيذ مهماته الأمنية التي يفترض أن تحمي الناس، وتدافع عنهم ضد المجرمين.
ويتحدث تقرير نشرته أخيراً الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حول النساء ضحايا العنف، عن نتائج "مفزعة" بعدما أحصى لجوء 850 امرأة خضعن لتعنيف إلى مراكزها من أجل الحصول على أيّ نوع من المساعدة، وذلك خلال فترة تسعة أشهر امتدت من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول 2020 "ما يعني أنّ عدد هؤلاء النساء اللواتي زاد عن عام 2019، وأنّ الإجراءات التي اتخذتها الدولة لحمايتهن من العنف فشلت خلال فترة الحجر الصحي".
ويذكر التقرير أنّ نسبة 57 في المائة من النساء ضحايا العنف تراوحت أعمارهن بين 31 عاماً و60، وأنّ نسبة 33 في المائة منهن تراوحت أعمارهن بين 18 عاماً و30.
ويشير التقرير إلى أنّ 57 في المائة من النساء اللواتي تعرضن لعنف خلال فترة الحجر الصحي لم يزاولن أيّ عمل. كما يوضح أنّ العنف شمل أيضاً نساء يملكن شهادات جامعية، معتبراً أنّ "تنامي ظاهرة العنف سببه عدم اتخاذ مؤسسات الدولة إجراءات رادعة مسبقة، ما جلب ويلات للنساء".
ويعزو خبير علم الاجتماع، حسن موري، في حديثه لـ "العربي الجديد" تصاعد وتيرة العنف داخل الأسر التونسية إلى "الوضع الاجتماعي المتدهور". ويتابع أنّه "يمكن تفسير تزايد العنف لكن لا يمكن تبريره. فأزمة وباء كورونا والتداعيات النفسية للحجر الصحي الشامل زادت الاحتقان الأسري وحوّلت الغضب إلى عنف معنوي ولفظي ومادي".
ويوضح موري أنّ "الأرقام والنسب المعلنة لا تعكس واقع العنف الذي تواجهه المرأة، خصوصاً أنّ دراسات تشير إلى أنّ المرأة تغض الطرف غالباً عن العنف اللفظي والمعنوي وحتى الجنسي، ولا تصرح إلّا بممارسات العنف المادي. وأحياناً تفضح إصابات خطيرة سلسلة الاعتداءات ضدها أو ضد الأطفال ومعاناتهم في محيطهم الأسري، علماً أنّ المنحى التصاعدي للعنف الجسدي واللفظي الذي بدأ في فترة كورونا ما زال مستمراً، بحسب تقارير أجهزة الأمن". ويؤكد موري على "ضرورة رفض العنف ضد أيّ شخص خصوصاً النساء. ومن الخطورة محاولة تبرير هذا العنف، وإيجاد أعذار وحجج للمهتمين في قضاياه التي لا يمكن قبولها بأيّ شكل من الأشكال".
اللافت أنّ وزارة المرأة كانت قد حذرت النساء والأسر وكبار السن من التطبيع مع العنف، منددةً بشدة بارتفاع نسبة العنف المنزلي المبني على النوع الاجتماعي في تونس خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً أثناء جائحة كورونا وشهر رمضان. ولاحظت في بيان أصدرته إثر حادثة وصفتها بأنّها "غير إنسانية" شهدت مقتل امرأة على يد زوجها بالرصاص في مايو/ أيار الماضي، أنّ "العنف الأسري بلغ حدّه الأقصى، وارتقى إلى صبغة إجرامية خطيرة من خلال تعمّد إزهاق روح بشرية".
وطالبت بالتعامل مع كلّ أشكال العنف ضد النساء بقطع الطريق أمام وسائل الإفلات من العقاب، والتصدي لكلّ أنواع التهديدات بالقول أو الفعل أو التلميح، مع الحرص على توفير تدخل آني وعاجل في إطار إنفاذ القانون منذ تعرض النساء لأول انتهاك قد يطالهن، كي لا يتحول إلى ممارسة مقبولة تتطور إلى نهايات أو نتائج لا تحمد عقباها".
وأملت الوزارة في تطبيق القانون 58 الصادر عام 2017 الذي يوفر حماية للمرأة من الضغوط التي قد تتعرض لها لدفعها إلى التخلي عن تقديم شكاوى، وأن تتعاون كلّ الأطراف في تطبيق هذا القانون من أجل أن يحقق هدفه في القضاء على كلّ أشكال العنف ضد النساء، وحفظ كرامتهن الإنسانية، وإبعاد كلّ مظاهر التمييز بين الجنسين.
ورغم أنّ قانوناً صدر عام 2017 جرّم العنف ضد المرأة، ما شكّل حدثاً غير مسبوق في المنطقتين العربية والأفريقية، يزداد العنف الذي تتعرض له النساء، وهو ما لم يمنعه أيضاً قطع تونس شوطاً مهماً في مسار حماية النساء اللواتي يتعرضن للعنف، بعدما استحدثت وزارة الداخلية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ عام 2018، ودرّبت مئات من عناصر الشرطة على تنفيذ هذه المهمات تحديداً، ومن بينهم شرطيات نساء، والتعامل مع حالات وقضايا العنف الأسري وإجراء تحقيقات فيها، وتنفيذ الأوامر القضائية في سبيل إبعاد الخطر عن الضحايا وحمايتهن من عنف قد يستمررن في التعرض له.
من جهته، حاول البرلمان التونسي التفاعل مع تطور جرائم العنف ضد المرأة وتزايد عدد النساء اللواتي يتعرضن لعنف، خصوصاً الزوجات. واستمعت لجنة المرأة فيه قبل تجميد أعماله بقليل، إلى ممثلي جهات رسمية وأخرى غير حكومية، من أجل الوقوف على حيثيات هذا الموضوع ومتابعته عن كثب.
كذلك، قالت وزيرة المرأة، إيمان الزهواني هويمل، في مداخلة إنّه "في إطار الوسائل المستخدمة لمحاولة القضاء على العنف ضد المرأة أنشئت منظومة وطنية لتوجيه ضحايا العنف من نساء وفتيات، باعتبارها آلية جديدة للتعاون والتنسيق بين أطراف متعددة تهدف في الأساس إلى توفير إطار مؤسساتي للتعاون بين إدارات الدولة، وكلّ المعنيين بالمسألة، خصوصاً الجمعيات الفاعلة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة". وشرحت هويمل أنّ "الخدمات المقدمة تصبّ في مصلحة النساء ضحايا العنف، مثل إنشاء مراكز للاستماع إلى الحالات والشكاوى، وتوجيه المستهدفات بالعنف إلى طرق التصرف وما يمكن فعله في حالاتهن، وإنشاء مراكز لإيوائهن بالتعاون مع جمعيات شريكة، وتخصيص خط أخضر مجاني رقمه 1899 للتبليغ عن حالات العنف، إضافة إلى تفعيل عمل المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة".
في السياق، توضح مسؤولة ملف مقاومة العنف ضد المرأة، في وزارة المرأة والطفولة وكبار السن، حنان البنزرتي، أنّ "الوزارة تلقت على الرقم الأخضر 3 آلاف إشعار عن حالات عنف ضد نساء، 70 في المائة منها لحالات تعنيف من قبل أزواج". وتشير إلى أنّ 71 في المائة من حالات العنف المسجّلة هي عنف مادي، و11 في المائة عنف جنسي، و10 في المائة عنف ضد الأطفال". ولفتت البنزرتي إلى أنّ "عدداً كبيراً من النساء اللواتي اتصلن بالرقم الأخضر الذي وضعته الوزارة طلبن إرشادات قانونية تمهّد لتقديم شكاوى في شأن هذه الحوادث، علماً أنّ المنظومة الوطنية لتوجيه النساء ضحايا العنف تنفذ استراتيجية تستند إلى محاور الوقاية من العنف ضد النساء، والحماية والتعهد والحوكمة والتنسيق، وتطبيق السياسة العامة وتنفيذ القانون". كما تحدثت عن "الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة بالتعاون مع ناشطين في المجتمع المدني والجمعيات المختصة لحماية المرأة من العنف، وتوفير خدمات للنساء الضحايا".