واصل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ فرع تونس، اليوم الجمعة، أعمال مؤتمره لليوم الثاني حول موضوع "تحوّلات الأرياف المغاربية: الممارسات والفاعلون والرهانات"، وقدّم الباحثون مداخلات حول تجارب عدّة تهمّ المرأة الريفية وكيفية إعادة تشكّل الصلات الاجتماعية وبروز فاعلين جدد.
قال الباحث المتخصص في علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج، لـ"العربي الجديد": "نعيش في معادلة صعبة تتطلب كثيراً من التنسيق ما بين أضلعها، ما بين المركز والأطراف. وما يُخصَّص للتنمية لا يستجيب لانتظارات المجالات الريفية وحتى الحضرية"، وهو أمر يؤثّر على "مستوى القيم وشكل استيعابها". وأضاف أنّ "من يعيش في الريف يشعر بذلك التهميش المبالغ فيه، نتيجة عدم أخذ سياساته وخياراته واحتياجاته بعين الاعتبار".
وأوضح بن فرج أنّ "التعايش ما بين القطاعَين، الفلاحي (الزراعي) والسياحي، يكون وفق إكراهات الواقع وليس من ضمن استراتيجيات وسياسات لتنمية المجالَين، والأمر نفسه ينطبق على استغلال الثروات الزراعية والبحرية. وبالتالي، تكمن المشكلة في الشراكة والتعايش والحوكمة بين كلّ الفاعلين، ويعود ذلك إلى التهميش الكبير الذي يعيشه السكان، خصوصاً في المناطق الريفية".
وأشار بن فرج إلى أنّ "كلّ هذا التهميش يظهر وسط غياب أساسيات الوجود، أي المياه، وتثمين المتوفّر منها والحقّ في التعليم وغيرها"، مضيفاً: "نشعر اليوم بمدى الحاجة إلى سياسة دمج وإشراك أهل الشأن في الريف في الواقع وبشكل فاعل".
من جهتها، قدّمت الباحثة المغربية فاطمة قدام مداخلة في المؤتمر حول "الاقتصاد الاجتماعي التضامني بالمغرب: حالة التعاونية النسائية والصناعات التقليدية". وقالت إنّ "التعاونيات تخضع لتكوينات مستمرّة، الأمر الذي ساعد على نجاح هذه التجربة"، مبيّنة أنّ "عدد المستفيدات في الأرياف وصل إلى 70 في المائة. لكنّ ثمّة إكراهات في تجربة التعاونيات النسائية التي تُعَدّ نموذجاً من النماذج التي ساعدت الريفيات على تمويل النفقات. لكن يؤمل دمجهنّ أكثر في التراث المادي وغير المادي، وخلق مزيد من الأنشطة من قبيل تربية المواشي والنحل".
وأوضحت قدام أنّ ثمّة نساء "يشتغلنَ في المنزل، أي أنّ ثمّة مرونة لتحسين العلاقات الأسرية والاجتماعية"، مضيفة أنّ "ثمّة إكراهات في غياب قانون للاقتصاد التضامني".
أمّا الناشطة في المجتمع المدني والمهندسة وفاء غندري السايح فرأت أنّ "المرأة الريفية تواجه مشكلات عدّة، بسبب حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في المجال الفلاحي"، مشدّدة لـ"العربي الجديد" على أنّه "لا بدّ من العمل أكثر على العناية بهذه الفئة لكي تكون نموذجاً، وتقديم المساعدات المعنوية والمادية لها".
في الإطار نفسه، قال الباحث المغربي محمد الشتيوي إنّ "الأرياف في إقليم تونات (شمالي المغرب) تحديداً بيّنت أنّ المجالات الريفية بالمغرب خضعت لمجموعة من السياسات العامة والتحديث الاقتصادي، أبرزها بعد الاستقلال في عام 1962 لجهة تجربة الإصلاح الزراعي، وقد استغرق الوقت تقريباً 10 أعوام". وأضاف أنّ "الإصلاح الزراعي أدّى إلى إنشاء تعاونيات الإصلاح التي أفادت الاستثمارات العامة، 30 في المائة منها في مجال الفلاحة".
وتحدّث الشتيوي عن "نوع من الركود وتراجع في ما يخصّ توجّه الدولة نحو المجالات الريفية وخلق نوع من التوازنات المالية"، مبيّناً أنّه "في مطلع الألفية الثانية، ظهر مخطط المغرب الأخضر، الذي رُصدت له موازنة ضخمة من أجل الفلاحة العصرية، في مجال تسويق الزيوت العطرية والطبية ومختلف المنتجات الفلاحية المستخرجة من زيت الزيتون". وأضاف الشتيوي أنّه "على الرغم من ظهور أنشطة مثل تجفيف التين وإنتاج الحليب"، فإنّ صعوبات عرقلت تشكّل تنظيمات في هذا المجال، و"هي هشاشة رأس المال البشري بسبب ضعف القدرات التأهيلية وانتشار الأمية". وأشار إلى أنّ ثمّة "فشلاً في استنباط أنماط جديدة وتطبيق السياسات التي تريدها الدولة".
وأفاد الشتيوي "العربي الجديد" بأنّ "التمكين الاقتصادي في المغرب مكّن من دخول فاعلين جدد في إطار ما عُرف بالمخطط الأخضر، وهذه التجربة كانت بمثابة ثورة تنظيمية"، لافتاً إلى أنّ "هذه المجموعات الصغيرة تمكّنت للمرّة الأولى من الخروج من إطار الفلاحين الصغار إلى المشاركة في الدورة الاقتصادية وتثمين منتجات عدّة".
وفي السياق نفسه، تناول الباحث المغربي عبد الرحمن الدكاري رهانات الأنشطة السياحية بالأرياف المغاربية أو البديل الممكن في ظلّ أزمة الفلاحة، قائلاً: "نحن موجودون بين ممارستَين سياحتَّين، سياحة تقليدية وسياحة تتطوّر في مختلف أنحاء العالم". وبيّن أنّ المغرب يتبنّى اليوم استراتيجية "الجيل الأخضر 2020 - 2030" بهدف "تقوية الطبقة الوسطى من أجل تحقيق الانطلاق والتنمية الاقتصادية".
وأكّد الدكاري: "السياحة تنتشر في المجال المغربي، الريفي والحضري، وصار النشاط السياحي فيها هو الرئيسي، وثمّة تفاوت ما بين الأنشطة السياحية وتلك الفلاحية". ولعلّ أبرز انعكاسات ذلك بالنسبة إلى الدكاري هو "تهميش وسائل الإنتاج والمصنوعات بالأرياف التي تشكو من صعوبات عدّة". وأكمل بأنّ "التنظيم القبلي، لجهة التآزر ودور الأسرة تراجع كثيراً، والمرأة غير محميّة في الأنشطة الفلاحية. وبالتالي، يبقى القطاع هشّاً وعرضة للمؤثّرات السياسية والوبائية".