المستوطنون يشعلون حرائق الضفة الغربية ويعرقلون إخمادها

04 يوليو 2024
حريق اندلع في قرية بيتين برام الله عام 2021 (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خلال فصل الصيف، يعاني الفلسطينيون في الضفة الغربية من إحراق المستوطنين وجيش الاحتلال لأراضيهم وممتلكاتهم، مما يؤدي إلى دمار واسع ويعيق جهود إخماد الحرائق.
- الدفاع المدني الفلسطيني يواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع أكثر من مئتي حادث، بما في ذلك الهجمات المباشرة على عناصره، مما يعكس التحديات الكبيرة في حماية الأرواح والممتلكات.
- العراقيل التي يضعها الاحتلال، مثل الحواجز ومنع الوصول إلى المناطق المتضررة، تؤخر وصول فرق الإطفاء وتزيد من حجم الأضرار، مما يعرقل جهود الدفاع المدني في مواجهة الاعتداءات.

لا يقلق الفلسطينيون، خصوصاً في فصل الصيف، من إحراق مستوطنين أو جيش الاحتلال الإسرائيلي، باستخدام أسلحة وقنابل، أراضيَ زراعية في الضفة الغربية، أو البيوت والمنشآت التجارية، بل من عدم قدرتهم على إخماد هذه الحرائق أيضاً، في ظل مواجهتهم عراقيل واعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين. 
ومنذ الحرب على غزّة، تعامل الدفاع المدني الفلسطيني مع أكثر من مئتي حادث نتجت مباشرة عن اعتداءات، وتعرّض عناصره لـ36 اعتداءً مباشراً.
في بداية يونيو/حزيران الماضي، اندلع حريق في أشجار زيتون قرب بلدة قريوت جنوبي نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً في منطقةٍ حظر الاحتلال وصول أهالي القرية إليها منذ اندلاع الحرب على غزّة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

يقول الناشط ضد الاستيطان في الضفة الغربية، بشار القريوتي، لـ"العربي الجديد": "حاول الأهالي الوصول إلى مكان الحريق، لكن أمن المستوطنات منعهم بتهديد السلاح، كما كان الوصول إلى مكان الحريق أمراً صعباً بعد نشر سواتر ترابية وإغلاق الطرق الزراعية ببوابة عسكرية بعد شنّ الاحتلال الحرب على غزّة. ومع توسّع الحريق في أراضي الفلسطينيين، اقتربت النيران من بؤر استيطانية، ما دفع المستوطنين إلى التدخل في مواقعهم وحدها من أجل منع وصول النيران إليها، كما يقول القريوتي الذي يضيف: "مع الوقت اقترب الحريق من خمسة منازل تسكنها عائلات فلسطينية في خربة صرا التي تقع قرب مستوطنَتي شيلو وشوفوت راحيل المشيّدتين على أراضٍ فلسطينية، فرفض السكان الانصياع لأوامر الاحتلال، وأزالوا البوابة العسكرية بجرافة ودخلوا إلى منطقة الخربة مع متطوعي الدفاع المدني الذين وزعوا أدوات لإطفاء الحريق، مثل أسطوانات ومطبات، كما جلب الأهالي صهاريج مياه لإطفاء الحريق، وأجلى الأهالي أفراد العائلات التي تقطن في خربة صرا بعدما تعرّض عدد منهم للاختناق. 
ويوضح القريوتي أن "الاحتلال تدخّل حين أصبحت السيطرة على الحريق مهمة مستحيلة، واقتربت النيران من البؤر الاستيطانية، فاستخدم طائرات في عملية الإطفاء. لكن الواقعة لم تنته بإطفاء الحرائق، إذ هاجم عدد من المستوطنين الزعران الأهالي بعد الانتهاء من إطفاء الحريق، وألقوا حجارة عليهم، وسرقوا معدات الإطفاء البسيطة التي كانت في حوزتهم. ولم تتعاون شرطة الاحتلال لاحقاً مع الأهالي من أجل إعادة المعدات".
ويذكر القريوتي إن "سبب الحريق قد يكون مفتعلاً من المستوطنين قبل أن يخرج عن السيطرة. وطالب الأهالي الارتباط الفلسطيني (حلقة الوصل بين السلطة الفلسطينية ومؤسسات الاحتلال) وشرطة الاحتلال بفتح سجلات كاميرات المراقبة المنتشرة في المنطقة، لمعرفة من سبّب الحريق، لكن ذلك لم يحصل بخلاف الحال حين يشعل شاب أو فتى فلسطيني إطارات أمام أي مستوطنة، إذ يدقق الاحتلال في الكاميرات من أجل اعتقال المنفذين، ونرى أن عدم التحقيق في هذا الحريق الذي التهم مساحة كبيرة من أراضينا يثير شكوكاً كبيرة حول من سبّبوه".
وغداة هذا الحريق اندلع آخر في أراضٍ تقع بين المغير شمال شرقي رام الله وسط الضفة الغربية ودوما جنوبي نابلس. وأكد الأهالي أن المستوطنين افتعلوا الحريق، لكن لأن مكانه يقع شرق شارع ألون شرق المغير الذي يفصل بين القرية وأراضيها المطلة على الأغوار، منع جيش الاحتلال أهالي المغير من الوصول إلى أراضيهم لإخماده، كما يؤكد الناشط كاظم الحج محمد في حديثه لـ"العربي الجديد".

المستوطنون وراء حرائق كثيرة في أراضي الفلسطينيين (عصام ريماوي/ الأناضول)
المستوطنون وراء حرائق كثيرة في أراضي الفلسطينيين (عصام ريماوي/ الأناضول)

وتؤدي هذه العرقلة وتأخير وصول عناصر الإطفاء إلى انتشار الحرائق بسرعة وتفاقم الأضرار، خاصة في ظل الأجواء الحارّة. ومن بين الأمثلة حريق اندلع في سوق خضار بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، نتج أولاً عن قنابل غاز أطلقها جيش الاحتلال خلال اقتحامه المدينة نهاية مايو/أيار الماضي، ثم منع الجنود فرقتي إطفاء من الوصول إلى مكان الحريق في الوقت المناسب، ما خلّف خسائر في سوق الخضار ومبانٍ مجاورة تجاوزت قيمتها عشرة ملايين دولار، بحسب التقديرات الأولية.
وقال مدير العمليات في الدفاع المدني الفلسطيني بمحافظة رام الله والبيرة محمد عرموش لـ"العربي الجديد"، حينها: "كان الحريق بسيطاً، وتلقى جهاز الدفاع المدني بلاغاً بشأنه عند الساعة الرابعة وعشر دقائق فجراً، علماً أنه لا يبعد عن مقر الدفاع المدني أكثر من 500 متر، لكن جيش الاحتلال منع دخول الطواقم فتوسّع الحريق إلى 12 مكاناً، وألحق خسائر كبيرة نتيجة وجود مواد سريعة الاشتعال مثل الملابس والأحذية والعربات الخشبية. وبعد انسحاب جيش الاحتلال شاركت تسعة طواقم ضمت 250 عنصراً في إخماد الحريق الذي استمر ساعات طويلة.
ويقول المقدم نائل العزة، المدير العام للعلاقات العامة والإعلام في جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، لـ"العربي الجديد": "وضعنا خطة للوصول إلى أماكن الحرائق خلال ثماني دقائق، لكنّ الاستجابة في بعض الحوادث تستغرق الآن أكثر من 45 دقيقة بسبب العراقيل والحواجز، وهذا التأخير في الوصول إلى محصول زراعي أو منطقة أشجار حرجية اشتعلت فيها النيران يعني احتراق عشرات الدونمات".
وتعرّض الدفاع المدني الفلسطيني، بحسب أرقام، إلى 36 اعتداءً على الطواقم بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وشملت حجز معدات الطواقم ومنع وصول أفرادها إلى وجهتهم، أو مواجهتهم مستوطنين مسلحين. وأُحرقت مركبة للدفاع المدني كان تبرّع بها الاتحاد الأوروبي في هجوم شنه مستوطنون في قرية المغير شمال شرقي رام الله في إبريل/ نيسان الماضي. وفي بيت لحم، سرق مستوطنون المعدات الخاصة بالجهاز، ووصل الأمر، بحسب العزّة، إلى اقتحام أحد مقار الدفاع المدني واحتجاز طاقمه.
وأصيب أربعة من أفراد الدفاع المدني في الضفة الغربية خلال الفترة التي تلت الحرب على غزّة، إما بالضرب أو بالحجارة، وتعرّض آخرهم لإصابة في الخاصرة، نتيجة اعتداء المستوطنين عليهم وعلى الطاقم بالحجارة خلال عملهم لإخماد حريق هائل افتعله المستوطنون في بيت دجن شرقي نابلس شمال الضفة الغربية في يونيو/حزيران الماضي. ويؤكد العزّة أن معظم الاعتداءات تحصل بحماية جيش الاحتلال.
وتشير إحصاءات الدفاع المدني الفلسطيني إلى أنه تعامل مع 224 حادثاً مختلفاً منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي نتجت عن اعتداءات مختلفة من جيش الاحتلال أو المستوطنين، ومن بينها حرائق في ممتلكات وحرائق أعشاب وأشجار ومركبات وشاحنات ومنازل ومنشآت تجارية وشبكات كهرباء وأخرى للاتصالات وشبكات البنى التحتية.
وهذه الحرائق افتعلها مستوطنون استخدموا في جزء كبير منها مواد سريعة الاشتعال، خاصة في الهجمات الكبيرة التي تستهدف القرى مثل هجوم المغير في إبريل/نيسان الماضي. وجرى استخدام المواد سريعة الاشتعال في إحراق منازل ومركبات مدنية وأخرى للدفاع المدني.

ويقول العزّة: "تندلع الحرائق التي تلحق خسائر كبيرة بممتلكات المواطنين في عدد كبير من الممتلكات في الوقت ذاته، ما يدل على استخدام مواد سريعة الاشتعال، وعلى أن الهجمات منظمة وممنهجة".
ويؤكد العزّة أن نحو 90% من الحرائق التي يفتعلها المستوطنون تُوثق بطريقة مهنية استناداً إلى قرار رسمي صدر في مارس/آذار 2023، إثر حصول هجمات كبيرة على حوارة وترمسعيا وعدد من قرى رام الله. وتشمل الإجراءات الاستماع إلى الشهود وأخذ الأدلة ومراجعة كاميرات المراقبة، وجرى توثيق ارتباط الحوادث الـ224 باعتداءات نفّذها المستوطنون أو جنود الاحتلال أو بالتعاون بينهم.

المساهمون