جندت بسمة علي عدداً من العاملين في أحد مستشفيات العزل في مصر من أجل الاطمئنان على والدتها التي تنزل فيه من أجل تلقي الرعاية الطبية اللازمة، إثر تدهور حالتها الصحية بعد إصابتها بفيروس كورونا الجديد. بسمة علي، وهو اسم مستعار غُيِّر بناءً على رغبة صاحبته، تعمل صحافية. لم تجد أي وسيلة للاطمئنان على والدتها إلا من خلال التواصل الهاتفي مع عدد من العاملين في المستشفى، بسبب منع والدتها من اصطحاب هاتفها الخلوي معها في العزل. ولأنها تعمل صحافية، فقد طلبت بسمة، بشكل شخصي، من زميلها المتابع لملف الصحة في الجريدة التي تعمل فيها، أن يساعدها في الوصول إلى أرقام هواتف العاملين في المستشفى التي تعالج فيها والدتها. تقول بسمة: "أحتاج لأن أسمع صوت أمي. الحكومة أصدرت قراراً بمنع إدخال الهواتف إلى مستشفيات العزل، لكن بعض الممرضين والعاملين يخفون هواتف في غرف إقامتهم بالمستشفى. باتت الوسيلة الوحيدة للاطمئنان على والدتي هي الحصول على أرقام هاتف الممرضين والممرضات وعمال النظافة".
في بداية أزمة وباء كورونا لم يكن ثمّة قرار بمنع المرضى في مستشفيات العزل من حمل هواتفهم الخلوية. وكانت الاتصالات مؤمنة دائماً بين المرضى وذويهم في كل الأوقات، لما لذلك من انعكاس إيجابي على صحتهم النفسية، ولعدم عزلهم عن العالم الخارجي. لكن هذا القرار صدر في وقت لاحق من أجل منع التصوير والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وإحداث ضجة أو بلبلة لوزارة الصحة المصرية بشأن الشكاوى من سوء الاهتمام بالنظافة أو الخدمات، أو نقص المستلزمات والرعاية الطبية، وغير ذلك.
لم يشمل القرار الذي صدر في يناير/ كانون الثاني الماضي المرضى فقط، بل جميع العاملين في المستشفيات. حيث عممت وزارة الصحة قرارها الخاص بمنع التصوير داخل المستشفيات، سواء للمرضى أو الأطباء، على مديري مديريات الشؤون الصحية في المحافظات، ورئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة، ورئيس الأمانة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، ورئيس الأمانة العامة للصحة النفسية، ورئيس المؤسسة العلاجية، ورئيس الإدارة المركزية للمعامل، ورئيس الإدارة العامة للأشعة، ورئيس هيئة التأمين الصحي، ورئيس هيئة الإسعاف المصرية.
وقالت وزارة الصحة المصرية في خطابها الموجه إلى كل تلك الجهات: "في إطار الدور المنوط لوزارة الصحة والسكان بالحفاظ على صحة وسلامة وخصوصية المرضى والأطقم الطبية، يرجى التنبيه على مديري المستشفيات والجهات التابعة لكم بأن يمنع التصوير منعاً باتاً (بصوره كافة)، داخل المنشآت الطبية، حفاظاً منا على خصوصية المريض وراحته وحقه في الأمان، والعاملين في القطاع الصحي والأطقم الطبية، حتى يمكنهم تقديم أفضل خدمة ورعاية صحية متكاملة". وطالبت الوزارة في الخطاب بتفعيل دور الأمن الإداري، للمرور على المستشفيات، والوحدات التابعة لها، بالإضافة إلى ضرورة تنبيه شركات الأمن على تنفيذ القرار.
ادعت الوزارة يومها أن القرار صدر "للحفاظ على صحة وسلامة وخصوصية المرضى والأطقم الطبية"، لكن ممرضين أكدوا لبسمة علي، أن القرار "سياسي وأمني"، بعد انتشار صور ومقاطع فيديو كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل المستشفيات، وخاصة مستشفيات العزل، يشكو فيها المرضى والأهالي من الإهمال وتردي الخدمات والأوضاع العامة.
وقد اتخذت الوزارة هذا القرار، ووجهته إلى رئيس الأمانة العامة للصحة النفسية من بين الجهات المخاطبة بالقرار، دون أي اعتبار للعنصر النفسي الهام في شفاء المصابين بالفيروس التاجي.
كانت بسمة علي تتمنى أن تسمع صوت والدتها في أول أيام عيد الفطر، وأن تعايدها وتتمنى لها الشفاء والخروج من المستشفى في أقرب وقت، لكن هذا القرار حال دون ذلك، على الرغم من تأكيد أطباء الصحة النفسية ضرورة تواصل المرضى هاتفياً مع أسرهم.
لم تعترض أمانة الصحة النفسية أو الجمعية المصرية للطب النفسي أو مستشار الرئيس المصري للصحة النفسية الطبيب المعروف أحمد عكاشة على القرار، على الرغم من أن مصابي كورونا معرضون للاكتئاب والشعور بالقلق المستمر، كما تؤثر الاضطرابات النفسية بمناعتهم.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة بعنوان "تأثير كوفيد -19 على الصحة النفسية للمرضى المصريين" كانت قد صدرت عن مجلة "فورتشن" للطب النفسي والاضطرابات النفسية، وأظهرت ارتفاع أمراض القلق والتوتر والاكتئاب والوسواس القهري في أثناء الوباء. وأظهرت أيضاً أن الإناث شكلن نسبة أعلى من نسبة الذكور في ما خص اضطرابات القلق والتوتر والوسواس القهري، الذي قد يفسر نتيجة الخوف على الأطفال والأسرة والأقارب.