أجبرت المعارك التي تشهدها الأقاليم الوسطى في الصومال بين الجيش الصومالي ومليشيات مسلحة عشائرية من جهة ومسلحي حركة الشباب من جهة أخرى، والتي اندلعت أواخر يوليو/ تموز الماضي، نحو ألف أسرة من رعاة الماشية على النزوح من مناطق عدة (عادكبير، طومودلي، مارسماجي، قالانقل، جلحجاجر) وبعض القرى والبلدات المجاورة لها والواقعة في محيط مدينة عذاذو بمحافظة جلجدود بولاية جلمذغ الفيدرالية (وسط الصومال).
ودفع نقص المياه الصالحة للشرب الأهالي إلى النزوح، بعد تعرض الآبار وخزانات المياه التي كانوا يعتمدون عليها للتفجير من قبل مسلحي حركة الشباب، الذين عمدوا أيضاً إلى إحراق المنازل، وهي عبارة عن أكواخ تقليدية قابلة للاشتعال. ووصلت الأسر النازحة إلى مناطق في محافظة جلجدود. وتُعاني تلك العائلات بسبب نقص مستلزمات الحياة الأساسية، وباتت تبيت في العراء وسط غياب أية مبادرات لمساعدتهم.
وجدت زهراء آدم محمد، وهي أم لتسعة يتامى، نفسها في العراء مع أطفالها. تقول: "نبيت الليالي في العراء على الرغم من البرد والرياح. وفي النهار، نستظل بالأشجار هرباً من حرارة الشمس". تضيف: "كنا نقيم في منزل وكان لدينا مولد كهربائي صغير لاستخراج المياه. لكن كل ذلك لم يعد متوفراً". وتعاني زهراء لتوفير الطعام لأطفالها التسعة، أصغرهم لم يتجاوز العام من العمر، علماً أن ساقها اليمنى مبتورة.
تكتفي زهراء وأطفالها بتناول وجبة واحدة يومياً، هي التي كانت تملك وعائلتها رؤوس أغنام (حوالي 50). وكان أحد أعمام أبنائها يرسل إليها 100 دولار شهرياً، إلا أن ذلك لم يعد متاحاً بسبب انقطاع الاتصال به. يشار إلى أن المواشي القليلة التي تملكها العائلات النازحة كانت قد تأثرت بفعل الجفاف. ثم جاءت الاشتباكات المسلحة لتُفقد الأسر القليل مما كانت تملكه.
من جهتها، تُقيم حواء إبراهيم علي مع أسرتها النازحة في منطقة أردو على بعد 25 كيلومترا من قرية عادكبير حيث مسكنها الأصلي. في الوقت الحالي، تستدين لتوفير المياه لأسرتها، إذ يبلغ سعر البرميل الواحد 4 دولارات. وتخشى أن يزداد دينها وتعجز مع الوقت عن توفير المياه لأطفالها السبعة. وتقول إنّها فكرت بالانتقال إلى أماكن تباع فيها المياه بسعر أقل، لكنها لم تتمكن من من ذلك، مشيرة إلى أنه ما من مورد رزق لعائلتها. تضيف: "ما باليد حيلة. نقبع هنا في انتظار أمر الله. لا نعرف مصيرنا وماذا سنأكل غداً. ننتظر مساعدة أي شخص بإمكانه مد يد العون لنا".
سارت حواء يوماً وليلة على الأقدام مع أفراد أسرتها وأطفالها بعدما باغتتهم الاشتباكات المسلحة، إلى أن تمكنوا من الوصول إلى بلدة أردو. "لا توجد آبار مياه أو خيمة للسكن، ونبيت في العراء منذ وصولنا إلى هنا"، تقول. أما بالنسبة للطعام، فقد قامت إحدى الأسر في المنطقة بتوفير وجبة واحدة في اليوم من أجل الصغار.
تعتمد الأسر النازحة، التي تقدر أعدادها بما بين 1000 و1500 أسرة، على مساعدات العائلات المستضيفة، إذ يستضيف كل بيت ما بين 4 و5 عائلات ويتقاسم الجميع الطعام والشراب.
ويعد الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الاعاقة الأكثر تضرراً. ويبيت عبدي علي محمود، وهو معمّر يبلغ من العمر مائة عام، في العراء منذ ست ليال بعدما نزح من منزله الذي عاش فيه أكثر من 50 عاماً. ويشير إلى أنه يقضي يومه تحت ظل شجرة فقدت أغصانها وأوراقها بسبب الجفاف. ويقول: "أعجز عن تحمل الجوع والعطش. وعدم توفر الطعام بالنسبة لرجل في مثل سني يعني الموت. نعيش ظروفاً قاسية للغاية". يضيف أن "خيار النزوح إلى المدن الكبيرة ليس مطروحاً بسبب عدم قدرة الأهالي على تحمل كلفة الحياة فيها، إذ إن بدلات الإيجار والمعيشة أغلى وأكثر كلفة. لذلك، كان العراء ملاذنا الوحيد".
من جهته، يقول نائب عمدة بلدة بحذو، أحمد صلاد شيخ عبد الله ورسمة، إنهم يحاولون مساعدة الأسر النازحة قدر الإمكان، وقد جالوا بين النازحين، موضحاً أن المأساة أكبر من مواردنا المحدودة. ويشير إلى عدم تلقيهم أية مساعدات من إدارة الولاية والمنظمات، مضيفاً أن "انقطاع شبكة الاتصالات، نتيجة تدمير مسلحي حركة الشباب أبراج الاتصالات، زاد من صعوبة التواصل مع الجهات المعنية لمساعدة هؤلاء المنكوبين، ويصعب في الوقت الحالي تقديم إحصائية حول أعداد النازحين الدقيقة".
وما زالت المعارك مستمرة بين عناصر حركة الشباب والقوات الصومالية ومليشيات مسلحة عشائرية ثارت رفضاً لانتهاكات الحركة بحق السكان المحليين المستمرة في إقليم هيران بوسط البلاد. وحتى الآن، تغيب المبادرات الإغاثية لمساعدة المتضررين من جراء المعارك والجفاف.