المغربيات والبرلمان: تقدم طفيف نحو المساواة

22 سبتمبر 2021
تدلي بصوتها خلال الانتخابات (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

 

عاد الجدل حول تمثيل النساء وتوسيع مشاركتهن في المؤسسات الرسمية بالمغرب، بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري. وتعالت أصوات جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة التي أكدت أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق هدف المناصفة الكاملة. وزاد هذا الجدل توجيه هيئات ناشطة في قضايا المرأة بينها "المناصفة دابا (الآن)" و"رابطة حقوق المرأة"، انتقادات لـ"وضع" المرأة في الانتخابات، ودعوتها المسؤولين السياسيين والحزبيين إلى تعزيز وجودها في الحكومة والمجالس المنتخبة، واحترام التزاماتهم الخاصة بتعزيز مبدأ المناصفة.

وكان المغرب طبّق للمرة الأولى عام 2002 نظام "كوتا" خصص 30 مقعداً للنساء في البرلمان. وواصل ذلك حتى عام 2011 حين زاد عدد مقاعدهن إلى 60 كإجراء يهدف إلى تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن في صناعة السياسات العامة وتوجيهها. ثم رفع مشرعو البرلمان عدد مقاعد "الكوتا" النسائية إلى 90 من أصل 395 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، ما يشكل نسبة 21 في المائة من عدد مقاعد البرلمان. وتوزعت المقاعد النسائية في الانتخابات الأخيرة على 12 في الدار البيضاء، و10 في كل من فاس - مكناس والرباط - سلا ومراكش - آسفي، و8 في طنجة - تطوان، و7 في كل من الشرق وبني ملال وسوس، و6 في درعة، و5 في كل من كلميم والعيون، و3 في الداخلة.

لكن في ظلّ قوانين انتخابية تصعّب حصول المرأة المغربية على تزكية الأحزاب للترشح، وفرص متساوية وآليات عمل مماثلة لتلك التي تؤمن للمرشحين الرجال، يبقى التقدم في تمثيل النساء الذي تحقق في اقتراع 8 سبتمبر/ أيلول الحالي "طفيفاً وغير كافٍ، ولا يرقى إلى مستوى تطلعات المغربيات"، بحسب ما تقول المحامية وعضو المكتب التنفيذي لـ "فيدرالية رابطة حقوق النساء" فتيحة شتاتو لـ"العربي الجديد". وتعتبر أن "تمثيل النساء في البرلمان الجديد لن يرقى إلى مستوى الطموحات المنشودة لأن مبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور مفقود، ولم يتحقق حتى ثلث أهدافه المحددة في التشريعات والقوانين، ما يعني أن المسؤولين يتعمدون تطبيق مبدأ المناصفة في شكل ناقص عبر تجاهل قوانين دستورية ومعاهدات دولية صادق عليها المغرب. من هنا نرى أن التغيير الذي تحقق طفيف، والطريق لا يزال طويلاً أمام النساء ويتطلب المزيد من النضال والتعبئة لتفعيل بنود الدستور والمواثيق الدولية الخاصة بحقوقهن التي وقع عليها المغرب".

الصورة
مسيرة نسائية خلال حملة الانتخابات (فاضل سنّا/ فرانس برس)
مسيرة نسائية خلال حملة الانتخابات (فاضل سنّا/ فرانس برس)

وكان البرلمان المغربي عدّل قانون تنظيم الانتخابات التشريعية بهدف تحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، من خلال استبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بـ "الدوائر الجهوية (الإدارية)" مع اشتراط ضم كل لائحة مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة لكل "دائرة انتخابية جهوية".

وفيما هدفت القوانين التي أقرّت لتنظيم العملية الانتخابية الأخيرة إلى رفع التمثيل النسائي وتوسيع مشاركتهن فيها، وبالتالي الحصص الممنوحة لهن في تولي المسؤوليات الوطنية، يصف أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق، في حديثه لـ "العربي الجديد"، النتائج التي حصلت عليها النساء بأنها "إيجابية في ضوء التعديلات التي أقرها البرلمان المغربي، ووضعها قيد التنفيذ لمحاولة تعزيز حضورهن وفاعلية دورهن في المشهد السياسي، وتنفيذ بنود الدستور المتعلقة بحقوقهن في سبيل سلوك طريق تحقيق المناصفة. لكن ما أنجز يبقى دون مستوى التطلعات، إذ إننا مصرون على أن وجود المرأة يمثل إحدى واجهات النضال لتحقيق المساواة الكاملة".

ويرى لزرق أن "إرساء آلية الكوتا عزز المشاركة السياسية للمرأة المغربية، لكن الأحزاب السياسية لا تزال لا تثق في قدرات المرأة على تحمل المسؤوليات السياسية من أجل إشراكها ضمن دائرة القرار. من هنا تبقى الكوتا إجراءً تمييزياً واكب الاستحقاق الانتخابي، في حين يبقى تكريس مسار المساواة الكاملة باعتباره ركيزة الخيار الديمقراطي الصائب والصحيح طويلاً وشاقاً، ويتطلب ثورة ثقافية كبيرة وحقيقية. ونرى أن استمرار العوائق الكثيرة التي تمنع تمثيل المرأة في المؤسسات الرسمية يحتم إطلاق مواجهة على كل الصعد، كون تحرر المرأة إحدى واجهات تحرر المجتمع كله". 

الصورة
البرلمان المغربي سيستقبل عدداً أكبر من النساء (جلال مرشدي/ الأناضول)
البرلمان المغربي سيستقبل عدداً أكبر من النساء (جلال مرشدي/ الأناضول)

وكان لافتاً توجيه "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" اتهامات ذات وزن ثقيل إلى الأحزاب بـ "تحويل نظام الكوتا من آلية ديمقراطية تهدف إلى تحسين المشاركة السياسية للنساء، ودورهن في تسيير الشأن المحلي والوطني، إلى أداة للتحكم والإقصاء والمتاجرة وصولاً إلى حدّ الابتزاز". وأوردت في بيان أن "الأحزاب مارست مجموعة مضايقات على نساء اعتزمن الترشح عبر لوائح الأحزاب السياسية للحصول على تزكية في الترشيحات. وطاول ذلك قيادات نسائية وكفاءات تتمتع بتجارب سياسية واسعة، وسبق أن عملت عن قرب مع بعض الأحزاب السياسية". ونددت الجمعية بمنع قيادات نسائية تتمتع بتاريخ طويل من النضال والتضحيات الوطنية من الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ووصفته بأنه "إقصاء متعمد يهدف إلى المسّ بحقوق النساء وتعريضهن لتمييز واضح يؤكد الغياب الواضح لاستراتيجية تعزيز حضورهن السياسي".

وتشدد شتاتو على أن الأحزاب السياسية يجب أن تطبق مبدأ المناصفة في تقسيماتها الداخلية، وتحقق الإنصاف المطلوب للمرأة المغربية من خلال إسقاط منطقي المصلحة والولاء في خيارات الترشيحات للاستحقاقات الانتخابية، والتمسك بالانفتاح على الطاقات المدنية والسياسية للنساء. وتلفت إلى أنه "لا يزال يتعين بذل جهود حثيثة وكبيرة في مجال الضمانات القانونية وتمويل الحملات الانتخابية للنساء، والالتزام بتكريس القيمة الواقعية والثقافية لتمثيل للنساء في شكل أكبر في الانتخابات التشريعية".