تنعكس تداعيات التفشّي السريع للمتحور "أوميكرون" من فيروس كورونا الجديد في المغرب على الكادر الصحي، الذي أُنهك في ظل النواقص الكثيرة منذ بدء العمل على علاج مرضى كوفيد-19. ويقول الطبيب حمادة أوبابا لـ "العربي الجديد": "عانينا لأشهر طويلة من ضغط نفسي وإجهاد. واليوم، نجد أنفسنا مجدداً في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس في ظل الضغط الذي تشهده المستشفيات". يضيف أنّ الوضع الراهن "يزيد من صعوبة عمل الكادر الصحي ويؤدي إلى إجهاده بسبب ساعات العمل الطويلة".
من جهته، يقول العامل في القطاع الصحي الحبيب كروم لـ"العربي الجديد": "بدأ الكادر الصحي يعاني من تبعات الموجة الوبائية الحالية، ويسبب الضغط الذي تشهده المستشفيات الحكومية هذه الأيام ارتفاع أعداد الإصابات بين الأطباء والممرضين والإداريين". ويوضح أنّ "ارتفاع أعداد الإصابات بين الكادر الصحي يزيد من الضغط في المستشفيات بانتظار شفاء المصابين. هذا الواقع يؤدي إلى زيادة ساعات عمل الأطباء والممرضين الأصحاء، في ظلّ النقص الحاد أصلاً في الموارد البشرية".
ويُشكّل النقص في أعداد الأطباء والممرضين تحدياً كبيراً لدى القطاع الصحي في المغرب. ويقول وزير الصحة خالد آيت الطالب، إنّ المستشفيات المغربية تعاني من نقص حاد يقدر بـ 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض، في وقت يبدو سدّ هذا العجز على وجه السرعة صعباً في ظل تخرّج 1200 طبيب سنوياً فقط.
ويقول الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة، مصطفى جعا، إن الكادر الصحي والتمريضي يواجه ظروف عمل صعبة، ويعمل في ظل ضغوط مستمرة منذ بدء تفشي كورونا في البلاد، من جراء الإمكانات المحدودة في القطاع الصحي ونقص الموارد البشرية. ويلفت إلى أنّ تلك الضغوط ما زالت مستمرة، وتضاعفت حالياً بسبب حملات التلقيح ضد الفيروس ومعالجة المصابين بـ"أوميكرون". ويخشى أن يؤدي ارتفاع أعداد الإصابات بكوفيد-19 إلى انتكاسة وبائية.
ويقول جعا لـ "العربي الجديد": "على الرغم من الإرهاق الكبير الذي يعاني منه الكادر الصحي والتمريضي في عمله لمواجهة كورونا منذ نحو سنتين، بالإضافة إلى الضغط النفسي، لم تقم وزارة الصحة بدورها، أقله لناحية توظيف أطباء جدد وتقسيم فترات العمل من خلال تشكيل فرق للتناوب". يضيف: "ما زالت المعاناة مستمرة. كذلك بات بعض الأطباء يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة الضغوط اليومية. وترك البعض العمل في القطاع الصحي، في ظل غياب المحفزات المالية وعدم الاستجابة لمطالبهم البسيطة".
ويوضح جعا أنّ "المعركة ضد المتحور الجديد تتطلب العناية بالجيش الأبيض وتوظيف المزيد من الموارد البشرية وإشراك جميع المعنيين في إدارة الأزمة"، داعياً إلى تحفيز الأطباء والممرضين وإعطائهم فترات الراحة اللازمة من خلال التناوب، لأنّ كثيرين يعانون من الإرهاق ولم يعودوا قادرين على تحمل الضغوط النفسية في ظل ارتفاع أعداد المرضى في المستشفيات".
وبحسب دراسة صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفعت نسبة الإصابة بمتلازمة الإرهاق في صفوف الكادر الصحي خلال الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا، 83.4 في المائة. وأظهرت نتائج الدراسة التي أعدها خمسة باحثين مغاربة من جامعتي "الحسن الأول" بسطات و"محمد الخامس" بالرباط، والمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة ببني ملال، أنّ 31.7 في المائة من المشاركين (أي 46 شخصاً) يعانون من إرهاق منخفض، و40.7 في المائة (59 شخصاً) يعانون من إرهاق معتدل، و11 في المائة (16 شخصاً) يعانون من إرهاق شديد. في المقابل، لم يجرِ الإبلاغ عن أي حالة إرهاق في 16.6 في المائة (24 شخصاً) من المشاركين. وهكذا، خلص الباحثون إلى أنّ نسبة انتشار متلازمة الإرهاق بمختلف درجاته في العينة بلغت 83.4 في المائة من أفراد العينة الطبية.
وبيّنت الدراسة كذلك أنّ جائحة كورونا أدت إلى ارتفاع كبير في نسبة الإرهاق لدى العاملين في القطاع الصحي عموماً، مقارنةً بما أُبلغ عنه سابقاً. ولهذه الأسباب، تركزت توصيات الدراسة على ضرورة الاستثمار قدر الإمكان في حماية الصحة البدنية والعقلية للعاملين في مجال الرعاية الصحية من خلال توفير موارد الدعم النفسي لبناء مرونتهم وقدرتهم على العمل في ظروف وبائية على غرار جائحة كورونا. وأوصى الباحثون "بالحدّ من الأعباء التي يتحملها الكادر الصحي من خلال تعديل أوقات عملهم وخلق بيئات عمل صحية" من شأنها أن تمنع أو تقلل من الإرهاق الذي يتعرضون له في عملهم.